قال المصنف رحمه الله: [فإن الله تعالى يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه فيثيبه، وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه فيعذبه، فإنما يعذبه لأنه لا يفعل مع القدرة].
المقصود هنا فعل المأمورات والطاعات، فإن الله تبارك وتعالى أمرنا بمأمورات وطاعات، وافترض علينا فرائض وأمرنا أن نؤديها، وأعطى العبد الاستطاعة على الفعل مع أمره بالفعل، فهو يعلم أنه يستطيع ويعلم أنه سيفعل، فيثيبه على ذلك، وهو سبحانه يعلم أن الآخر مستطيع ولكنه لا يفعل ما استطاعه، فيعذبه لأنه لم يفعل ما أمره الله به مع قدرته واستطاعته على فعله، فهو إنما عذبه لأنه لم يأت بالطاعة مع القدرة، وقد علم الله ذلك منه، أما من لا يستطيع -وهو العاجز- فإن الله لا يأمره ولا يعذبه على ما لم يستطعه؛ فإن الله تعالى لم يكلف الصغير، ولم يكلف المجنون؛ لأنه ليس لديهم استطاعة لأن يتحملوا الأمر والنهي.
إذاً: فالله عز وجل لا يأمر إلا المستطيع، وهو يعلم أن هذا المستطيع يفعل ما يستطيعه، أو أن هذا المستطيع لا يفعل مع استطاعته وقدرته، والثواب والعقاب مرتب على هذا، فاستطاعة هذا وطاعته يستحق عليها الثواب، واستطاعة ذاك وعدم طاعته يستحق عليها العقاب، وهذا هو الذي يجلي هذا الأمر ويوضحه.
قال المصنف: [وإذا قيل: فيلزم أن يكون العبد قادراً على تغيير علم الله؛ لأن الله علم أنه لا يفعل، فإذا قدر على الفعل قدر على تغيير علم الله. قيل: هذه مغالطة]، وما أكثر ما يغالط أهل البدع والضلال! يقولون: هل أعطى الله تعالى العبد الاستطاعة أن يفعل أو لا يفعل؟ فإن قلنا: نعم. قالوا: إذاً من الممكن أن يغير العبد علم الله؛ لأنه قد يفعل وقد لا يفعل. وهذه مغالطة؛ لأن الله سبحانه وتعالى علم ما سيفعل العبد.
ونقول -اختصاراً لكلام الشارح-: إن علم الله سبحانه وتعالى مطابق للواقع، والواقع مطابق لعلم الله، فالفعل الذي وقع ليس في علم الله أنه لن يقع، والفعل الذي لم يفعل ليس في علم الله سبحانه وتعالى أنه يقع، وهذه قاعدة واضحة.