قال بعض السلف: [[لو أن العبد أطاع الله سبحانه وتعالى في جوف صخرة صماء في شدة الظلماء، لألقى الله محبته في قلوب عباده المؤمنين، ولو أن العبد عصى الله سبحانه وتعالى في جوف صخرة صماء في شدة الظلماء، لألقى الله بغضه في قلوب عباده المؤمنين]] سبحان الله! إن عالم القلوب والأرواح عالم آخر غير تلك العوالم المادية التي هي محدودة بقوانين معينة، فإنك إذا تذوقت طعاماً من الأطعمة، ووجدت طعمه جيداً أكلته وأحببته، وإذا وجدت طعمه أو رائحته غير ذلك أبغضته، فهذا قانون جعله الله سبحانه وتعالى لهذا الشيء، أما أن ترى أو تسمع عن شخص فتحبه، ثم تسمع بآخر ربما كان ظاهره الخير والصلاح فتبغضه، فهذا دليل على أن لهذا العالم قوانينه وسننه ونواميسه الخاصة به.
ومن أسرار عالم القلوب والأرواح ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {الأرواح جنود مجندة؛ ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف} كيف تكون الأرواح جنود مجندة؟ يقول بعض المبطلين المتأولين من الصوفية : إن ذلك كان عند تلاقي الأرواح وتعارفها في عالم الأرواح قبل أن تخرج إلى عالم الدنيا، حيث كان لها جولان حول العرش قبل أن يضعها في الأجساد، وقد تعارفت هناك، ففي الدنيا إذا تلاقى اثنان، وكانت روحهما قد تعارفتا هناك، حصل بينهما التعارف والتآلف. ولكننا لسنا بحاجة إلى هذا الكلام؛ لأن التعارف والتآلف لا يكون إلا بمثل ما نطق به الحديث، فإن المتقي يحب المتقي، فإذا رأيت تقياً مثلك لدقائق أو لساعات، فإنك ستحبه وتشعر بأنك قد صحبته العمر كله؛ لأنك وجدت في قلبك ميلاً شديداً إلى حبه، وهو يشعر بذلك أيضاً؛ لأنكما اتفقتما على تقوى الله سبحانه وتعالى، وإن التقيت بشخص آخر مظهره أو كلامه فيه ما فيه، ولكنه لم يكن تقياً، فإنك تجد في نفسك النفور منه، وربما هو يشعر بذلك أيضاً.
ولهذا نجد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن الأخيار من الصحابة الكرام كانوا يتحابون رضوان الله تعالى عليهم، وكانت هناك المحبة القوية بين المهاجرين منهم والأنصار، وكانوا يعيشون بتواد وتراحم فيما بينهم، ونجد أن المنافقين كان بعضهم يميل إلى بعض، ويتناجون فيما بينهم بالإثم في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، بل حتى في الجهاد يكونون وحدهم، وهم كذلك في أي مكان، حتى إنهم بنوا مسجد الضرار ليكون مركزاً لتجمع وتكتل النفاق، واتخذوه ضراراً وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل، فلو جاء منافق من هجر أو البحرين أو اليمن، فإنه سينزل عند عبد الله بن أبي وطائفته، ولو جاء مؤمن تقي من أطراف الدنيا، لنزل عند أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو طلحة أو أحد الصحابة الأخيار، فالنفوس ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف، وكل يميل إلى من هو على شاكلته، فالمؤمن إذا ذهب إلى أي بلد من بلدان العالم، فإنه يبحث أولاً عن المسجد، فإن وجد مسجداً، فإنه يسأل: هل هذا المسجد لـأهل السنة لأصلي معهم وأجتمع بهم إليهم؟ ولكن من كان من أهل الفجور والفسق والمعاصي -عياذاً بالله- فإنه أول ما يسأل عن أماكن الفجور والمعاصي والدعارة.. نسأل الله العفو والعافية.