إن أهل اللغة الذين وضعوا قواعد المجاز، هم في الأصل على مذهب المعتزلة أو على مذهب الأشاعرة، فـعبد القاهر الجرجاني معتزلي والباقلاني صاحب إعجاز القرآن هو من أئمة الأشعرية، وهم الذين خاضوا في هذه الأمور، وهم الذين قعدوا وأصلوا هذه الأصول التي بنى عليها من جاء بعدهم، ممن جعلوا فهم السلف الصالح للقرآن باطلاً، والأصل أن الباطل ليس الفهم الذي فهمه السلف، وإنما هو ما فهمه هؤلاء.
وهؤلاء ليسوا حجة على الصحابة ولا على التابعين، وقد أشرنا إلى هذا وقلنا: إنه يكفي أن نعرف أنه لم يوجد من علماء اللغة الأوائل الذي أسسوا هذا العلم - مثل أبي عمرو بن العلاء، والأصمعي، والنضر بن شميل، والخليل بن أحمد الفراهيدي، الذين هم الأئمة العلماء الثقات المحتج بهم -لم يوجد أحد منهم على غير منهج ومذهب أهل السنة والجماعة، ولم يقل أحد منهم: إن في القرآن مجازاً، ولم يقل أحد منهم: إن في القرآن كلاماً يراد به غير حقيقته، وإنما لما جاء عبد القاهر وأمثاله في القرن الثالث، والقرن الرابع، أحدثوا هذه البدع، فالحجة الأقوى -حتى عند أهل اللغة- هي كلام أئمة اللغة المتقدمين الذين كان كلامهم حجة، أما المتأخرون فالخلاف بينهم لا ينتهي في هذه الأمور وفي غيرها.
ونحن لا نقول: إن هناك عداوة بين أهل اللغة وبين أهل السنة أو المؤمنين بالصفات، بل نقول: إن من أهل اللغة طائفة شذت عن أهل اللغة الأصليين.. العلماء الثقات المحتج بهم في اللغة، والذين لا مطعن في دينهم، فما كان أحد يطعن في دين الخليل بن أحمد؛ بل لقد كان من العباد، ولا النضر بن شميل، ولا سيبويه، ولا أبي عمرو بن العلاء، ولا الكسائي، فإن الكسائي وأبا عمرو من أهل القراءات، فهؤلاء علماء أهل عبادة وفضل وخير، وقد كانوا يقولون: إن الهدف الأساس من اللغة ومن علمهم هذا هو خدمة كتاب الله، ولو قرأت ترجمة أي واحد منهم، لوجدت في سيرته العبادة والتقوى والصلاح، فهم ما أرادوا إلا خدمة القرآن، فإذا جاء من بعدهم من أهل البلاغة والنقد، أو من أهل أي علم من العلوم، ممن انتسب إليهم، وادعى أنه مثلهم من أهل اللغة، ثم حرف وأول، فهو الذي خرج عما قاله أولئك وعما قرروه، فهو وأمثاله خارجون عن أهل السنة؛ وهم خارجون أيضاً عن أهل اللغة الذين هم حجة وعمدة في اللغة.