ثم قال: [ومن ادعى علم الغيب كان من الكافرين، قال تعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا))[الجن:26].]، وفي آخر هذا الشرح تعرض الشارح رحمه الله تعالى لقول الطحاوي رحمه الله: [ولا نصدق كاهناً ولا عرافاً ولا من يدعي شيئاً يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة] بشيء من التفصيل، والذي يهمنا الآن هو قوله: [ومن ادعى علم الغيب كان من الكافرين].
لقد ذكر الإمام المجدد الداعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه أنواع الطواغيت الخمسة -والطواغيت كثر ولكن رءوسهم خمسة- فذكر منهم من ادعى شيئاً من علم الغيب، وهذا ليس كافراً فحسب؛ بل إنه من رءوس الكفر، وهو طاغوت من طواغيت الكفر؛ لأنه طغى في الكفر حتى أصبح سبباً في الكفر وداعياً إليه، ووسيلة له؛ لأن الكاهن عندما يدعي علم الغيب فإنه بذلك قد ادعى الألوهية في الحقيقة؛ لأنه أخذ خصيصة من خصائص الألوهية، فإذا صدقه الناس فقد أشركوا مع الله في تفرده بألوهيته، وهذا هو الكفر الأكبر، فكفر الناس بسبب هذا الكاهن، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: {من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم}، والكهان سبب من أعظم أسباب الكفر في جميع العصور والبلدان، وإن ادعوا أنهم أولياء أو مقربون؛ فالحقيقة واحدة وهي أنهم طواغيت أخرجوا الناس من الإسلام إلى الشرك والكفر.. هذا هو ما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وقد بينا أنه سيأتي في أواخر الكتاب مزيد تفصيل في هذه المسألة.
ثم يذكر الشارح قول الله تبارك وتعالى: ((عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا))[الجن:26] * ((إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا))[الجن:27]، وقوله: ((إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ))[لقمان:34]، وقوله تعالى: ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ))[الأنعام:59]، فقدم الظرف (وعنده)، وتقديم الظرف دليل على الاختصاص، ثم أكد هذا الاختصاص بقوله: ((لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ))[الأنعام:59]، ومن كان لديه شيء من علم الغيب فهو بإعلام الله تعالى له، قال تعالى: ((إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ))[الجن:27]، فالله سبحانه وتعالى يطلع ويظهر رسله على شيء من علم الغيب.