والصوفية أيضاً أخذوا بحظٍ من ذلك، فنجد أن الغزالي مثلاً -وهو يعتبر من المعتدلين في التصوف قبل أن يتوب منه -يقول: إن الباطن حقيقة، وإن الإنسان يتلقى هذا الباطن كما يتلقى النبي، وشَبَّه ذلك بانعكاس الضوء من المرآة إلى الجسم أو إلى المرآة الأخرى، وأن علياً رضي الله عنه كان يعلم هذا العلم الباطن ... إلى غير ذلك، فنجد أن التصوف عموماً وصل إلى هذا الحد؛ حتى إنه في كثير من الأحيان لا يستطاع أن يصنف بعضهم: هل هو من غلاة الباطنية أو من غلاة الصوفية ؟ فيختلط الأمر؛ لأنه يتحد في دعوى معرفة هذا العلم، لكن الصوفية يأتون بشيء آخر وبمسميات أخرى، يقولون: علم الرسوم -أو علم الظاهر- مقابل علم الباطن، أو علم الشريعة مقابل علم الحقيقة، كما يقول أحدهم: عن شيخي فلان عن شيخي فلان عن شيخه فلان، إلى علي، أو إلى أبي بكر، أو إلى محمد صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن الله تعالى، فهو يرى أن علم الخِرَق -والتي لا يعطاها إلا من بلغ درجة عليا في الإيمان- أعظم من علم الورق، وكما يقول قائلهم: تأخذون علمكم من ميت عن ميت، تقولون: فلان عن فلان عن فلان، أما نحن فنأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت، فيقول: حدثني قلبي عن ربي!!
إذاً: هذا هو علم الحقيقة -عندهم- أما علم الشريعة فهو لدى عامة الناس، ويسمونه علم الرسوم، فضلوا بذلك في معرفة حقيقة العلمين اللذين أشار إليهما الشيخ رحمه الله بقوله: "العلم علمان: علم في الخلق موجود، وعلم في الخلق مفقود"، فجعلوا هذه القسمة بهذا الشكل: علم الشريعة وعلم الحقيقة.