المادة كاملة    
الإيمان بالكتب ركن من أركان الإيمان؛ فيجب أن نؤمن بها جملة وتفصيلاً، فما ذكره الله في كتابه نؤمن به كما ذكره، وما لم يذكره نؤمن به إيماناً مجملاً، ومما ذكر الله تعالى: التوراة والإنجيل والزبور؛ وهي نور من الله تعالى، وفيها حجج وبراهين وآيات عظيمة.. إلا أنه قد دخلها التحريف والتبديل من قبل اليهود والنصارى.
  1. الإيمان بالكتب المنزلة إجمالاً وتفصيلاً

     المرفق    
    قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى:
    [وأما الإيمان بالكتب المنزلة على المرسلين، فنؤمن بما سمى الله تعالى منها في كتابه، من التوراة والإنجيل والزبور، ونؤمن بأن لله تعالى سوى ذلك كتباً أنزلها على أنبيائه، لا يعرف أسماءها وعددها إلا الله تعالى].
    1. معنى الإيمان بالكتب

      الشرح: قوله رحمه الله: [وأما الإيمان بالكتب المنزلة على المرسلين، فنؤمن بما سمى الله تعالى منها في كتابه، من التوراة والإنجيل والزبور]، هذا هو الركن الثالث من أركان الإيمان، وهو الإيمان بالكتب. ومعناه: أن نؤمن بما أنزل الله تبارك وتعالى من الكتب، فنؤمن ببعضها على سبيل الإجمال، ونؤمن ببعضها على سبيل التفصيل.
    2. الإيمان التفصيلي بالكتب المنزلة

      فما سمى الله تبارك وتعالى منها وذكره باسمه، نؤمن به كما سماه الله عز وجل، وأما ما لم يسم فنؤمن به إيماناً مجملاً، فمما سمى الله التوراة والإنجيل والزبور، فأما التوراة فقد وردت تسميتها في القرآن في أكثر من موضع، منها قوله تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا))[المائدة:44]، وقوله تعالى: ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ))[المائدة:43]، وقوله تعالى : ((ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ))[الفتح:29]، وقوله تعالى: ((وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ))[آل عمران:50]، وقوله تعالى: ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ))[الجمعة:5]، وهم علماء اليهود.
      وكذلك ورد ذكر الإنجيل في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: ((وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ))[المائدة:46] وقوله تعالى: ((وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ))[المائدة:47]، وقوله تعالى: ((وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ))[آل عمران:48]، أي: عيسى عليه السلام، وقوله تعالى: ((وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ))[آل عمران:65].
      وأكثر ما ذكر في القرآن من الكتب التوراة والإنجيل؛ لأنهما أنزلا في الأمتين اللتين أورثنا الله تبارك وتعالى الكتاب من بعدهما، ولهذا يرد في القرآن ذكرهما وذكر أحوالهما كثيراً.
      ومما أنزل على بني إسرائيل من الكتب: الزبور، قال تعالى: ((وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا))[النساء:163] ومعنى الزبور: الصحيفة المكتوبة، وقال تعالى: ((وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ))[الأنبياء:105]، وقد جاء النص على أن الله أعطى الزبور لداود كما في الآية السابقة.
      فالتوراة أنزلها الله تعالى على موسى، وأنزل الزبور في الزمن الذي بين نزول التوراة ونزول الإنجيل، كما تدل عليه آية البقرة في قصة طالوت وجالوت، قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى...))[البقرة:246] الآيات، وفيها قوله: ((وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ))[البقرة:251].
      وهناك كتب أخرى ذكرت في القرآن: كصحف إبراهيم، قال تعالى: ((إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى))[الأعلى:18-19] وقال تعالى: ((أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))[النجم:36-38]، فذكر الله سبحانه وتعالى أنه أنزل صحفاً على إبراهيم عليه السلام، فعلينا أن نؤمن بأن الله تعالى أنزل هذه الكتب، وكما قلنا في الرسل، فهنا أيضاً نقول: ما ثبت في القرآن أو في السنة أن الله سبحانه وتعالى أنزله على رسول من رسله آمنا به.
    3. الإيمان الإجمالي بالكتب المنزلة

      وأما ما عدا ذلك فنؤمن بما أنزل الله من الكتب إجمالاً، كما قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم: ((فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ))[الشورى:15]، هذه الآية من سورة الشورى يقول عنها ابن كثير رحمه الله: هذه الآية لا نظير لها سوى آية الكرسي؛ لأنها تضمنت عشر جمل كل جملة لها معنى، كما هو الحال في آية الكرسي.
      وقد ذكر المصنف رحمه الله آيات كثيرة، منها ما ذكر الله سبحانه وتعالى فيها اختلاف الأمم فقال: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ))[البقرة:213]، والقول الصحيح في تفسير قوله تعالى: ((كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً))[البقرة:213] ما ذكره ابن عباس رضي الله تعالى عنه بقوله: [[أمة واحدة على التوحيد]]، أي: كان بين آدم ونوح عشرة قرون على التوحيد، حتى وقع الشرك في قوم نوح، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، والتقدير هنا: (كان الناس أمة واحدة على التوحيد، فاختلفوا فبعث الله النبيين)، وهذا من الإيجاز، وهو يسمى: الإيجاز بالحذف، وقوله: (فاختلفوا) قد رويت قراءةً عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لكنها غير متواترة، وهي: (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا) إذاً: هذا هو القول الأول.
      القول الثاني: أنهم كانوا أمة واحدة على الكفر، وقد نقل هذا القول عن بعض السلف، والذين قالوا بهذا القول لا يتصور أنهم ينكرون أن آدم عليه السلام وذريته الأولى كانوا على التوحيد؛ لكنهم نظروا إلى حال الناس عندما بعث نوح عليه السلام، فإن الشرك كان قد عم حتى أصبحوا أمة واحدة على الشرك، على قول هؤلاء، فأرسل الله سبحانه وتعالى الرسل، وأولهم نوح عليه السلام، ولكن هذا قول مرجوح، والصحيح أنهم كانوا أمة واحدة على التوحيد والإيمان الحق، فاختلفوا وتفرقوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، والمقصود بالكتاب هنا جنس الكتاب.
      فهذه الكتب نور من الله سبحانه وتعالى، وفيها حجج وبراهين وآيات عظيمة تقوم بها الحجة على العالمين، وقد أنزل الله تعالى الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، فيجب على الناس جميعاً أن يتحاكموا إلى ما أنزل الله تعالى من الوحي.
      إذاً: فالكتاب يرد ويقصد به الكتب جميعاً، ويرد أيضاً ويقصد به القرآن وحده، وهذا في آيات كثيرة، كقوله تعالى: ((الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ))[يوسف:1].. ((تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ))[يونس:1] وغيرها.
      وكل الكتب تدعو إلى شيء واحد هو عبادة الله وطاعته، والكفر بالطواغيت والأنداد وما يعبد من دون الله، فهي كتاب بهذا المعنى، وهي كتب باعتبار الأفراد، فما في التوراة غير ما في الإنجيل، وما في الإنجيل غير ما في القرآن، وما في القرآن غير ما في الزبور... إلخ.
  2. الكلام على التوراة والإنجيل وتحريف بني إسرائيل

     المرفق    
    فإيماننا بالكتب يعني أننا نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أنزلها على رسله، وأنها كانت آيات بينات قامت بها الحجة على من أنزلت إليهم، وأن من أنزلت إليهم كانوا ملزمين باتباعها، ونحن الآن نؤمن بشيئين:
    أولاً: أننا لسنا ملزمين باتباع ما فيها من أحكام في التشريع؛ لأن شرائعها غير شريعتنا، وإن كانت تتحد في الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله.
    ثانياً: أن التحريف والتبديل قد دخلها، فهي إما مفقودة أو محرفة، فمثلاً: صحف إبراهيم عليه السلام ليس لها وجود اليوم، بل هي مفقودة، ولكننا نؤمن بأن الله أنزلها على إبراهيم عليه السلام، وأنها آيات وعبر، كما ذكر الله تبارك وتعالى.
    1. الزبور الذي يباع في الأسواق لا يعلم أصله

      أما الزبور فإنه كان يباع في الأسواق، وكله عبر وقصص ومواعظ، وكانوا يقولون: هذا هو الزبور الذي أنزله الله على داود، ويصدق عليهم قول الله: ((مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ))[الزخرف:20]، ومع الأسف فإنه يطبع في بعض البلاد ويوزع على أنه الزبور، ولا أدري كيف يسمح لأحد بأن ينسب إلى الله تبارك وتعالى كلاماً أو كتاباً على غير بينة، وبغير برهان! وأسوأ من ذلك: أن يأتي بعض خطباء الجمعة ويأخذون منه، وقد سمعت بنفسي خطيباً يخطب ويقول:
      قال الله تعالى كذا ... ويأتي بأدلة من هذا الكتاب، فسبحان الله العظيم كيف آمن به؟! أولم يكفهم القرآن الكريم حتى عدلوا إلى ما لا يعلم ثبوته؟!
    2. أسفار التوراة المحرفة والكتاب المقدس

      أما ما يوجد ضمن أسفار التوراة المحرفة، مما هو منسوب إلى داود عليه السلام، ويسمى بالمزامير، أي: مزامير داود، فهذا يأخذ حكم التوراة، وسنتكلم عنه إن شاء الله تعالى.
      وعند النصارى الكتاب المقدس: وهو عبارة عن كتاب ضخم يحتوي على تسعة وثلاثين سفراً -على أكثر الطبعات رواجاً- وتسمى أسفار العهد القديم، ومنها الخمسة الأسفار التي يقال: إن الله تعالى أنزلها على موسى، والباقي أربعة وثلاثون سفراً فيها أخبار الملوك والقضاة، ومزامير داود وأخبار سليمان وأشعيا وأرميا... إلخ، ثم بعد ذلك العهد الجديد، والعهد الجديد: هو الأناجيل الأربعة، والله تعالى لم ينزل أربعة أناجيل وإنما أنزل إنجيلاً واحداً، ولكن الموجود الآن أربعة. ثم الرسائل وفيها أعمال الرسل، ورسائل بولس الذي حرف دين المسيح عليه السلام، والمجموع الكلي لذلك يسمى: الكتاب المقدس.
      وقد وقع اختلاف كبير بين اليهود والنصارى، فاليهود منهم من لا يؤمن إلا بالأسفار الخمسة فقط التي منها سفر التكوين وسفر التثنية، وأما بقية الأسفار الأربعة والثلاثين، والأناجيل بمجموع ما يسمى الكتاب المقدس فلا يؤمنون بها، وهناك من اليهود -الذين هم الأكثر وجوداً الآن في العالم- من يضيف إلى الخمسة بقية الأسفار، هذا من ناحية العدد.
      أما من ناحية المضمون: فالتوراة السامرية، نسبة إلى أتباع السامري المذكور في القرآن، ويطلق السامرة على الجزء الأكبر مما نسميه اليوم: بـالضفة الغربية، وهم يقولون: إن التوراة السامرية مضمونها وأسفارها تخالف ما عليه الأسفار الأخرى.
    3. الأدلة على تحريف التوراة

      ولكل فرقة من فرق اليهود رأي وتبديل وتحريف، فغيروا وبدلوا في كتاب الله سبحانه وتعالى، فحصل التحريف عندهم من جهة العدد -النقص والزيادة- وأيضاً من جهة التغيير والتبديل، فمثلاً: الأسفار الخمسة التي يقولون: إن الله سبحانه وتعالى أنزلها على موسى؛ من قرأها يعلم أنها لا يمكن أن تكون من كلام الله، ولا أن تكون الكتاب الذي أُنزل على موسى، وقد يكون فيها شيء مما يظهر للقارئ أنه حق؛ وذلك لأن القرآن صدقه، ولكن الكثير والغالب فيها يدل على أن ما فيها باطل أو محرف، فمثلاً: ما يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى، فإن سفر التكوين قد أنه وصف الله عز وجل بالجهل بالعواقب؛ ووصفوه بذلك لأنه -كما يقولون- لما خلق آدم وحواء وحذرهما من الأكل من الشجرة، خرج يتمشى في الجنة ولم يجد آدم وحواء، فسألهما: أين أنتما ؟ فقالا: نحن عريانان، فقال: كيف عرفتما أنكما عريانان ؟ هل أكلتما من شجرة معرفة الخير والشر؟ ومضمون هذا: أنه كان لا يدري بذلك، فهذا كلامهم عن الله. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً! وهكذا يوجد في مواضع كثيرة من التوراة وصف الله سبحانه وتعالى بالنقائص، ومن ذلك دعواهم أن الله سبحانه وتعالى لما رأى أن الإنسان كثر شره، ندم على خلقه، تعالى الله عما يقولون! ومقصودهم: أن الله لا يعلم أن الشر سيقع، وأنه بعد ذلك عاجز عن إزالة ذلك الشر، وكل ذلك من الباطل الذي يدل على أن هذا لا يمكن أن يكون كلام رب العالمين. ثم ما حصل فيها في حق الأنبياء من تحريف وتهم عظيمة لا يمكن أن تُقر، فمثلاً: يتهمون نوحاً عليه السلام بتهم شنيعة، ومن ذلك: أنه كان فلاحاً، وأنه زرع الكروم وشرب الخمر، وسكر وتعرى، عياذاً بالله مما يقولون! وأنه حينما تعرى رآه أبناؤه فضحكوا وسخروا منه، ورآه ابنه حام، وبعد ذلك جاء ابناه الآخران سام ويافث، فأخذا قماشاً وسترا عورة أبيهما، ولم ينظرا إليها! فلما أفاق نوح وعرف القصة قال: ملعون كنعان !! ويقصدون بكنعان: العرب، ولذلك يقوم اليهود الآن بتعليم الأمريكيين والأوربيين وغيرهم من النصارى من خلال ما في هذا الكتاب الذي يؤمنون به جميعاً: أن العرب ملعونون، وأن الجنس العربي نجس! واليهود هم الذين نسبوا هذه الافتراءات وهذا البهتان إلى نوح عليه السلام، ولم يتورعوا عن ذلك، ويقولون: إن كنعان قد لعنه نوح، وهؤلاء العرب هم ذرية كنعان، فهم إذاً الأمة الملعونة، مع أن كنعان ليس له علاقة بالموضوع أصلاً، فلم ير عورة أبيه، ولا اطلع على قصتهم، لكن التهمة والجريمة والعقوبة كلها انحصرت في كنعان.
    4. الحقد اليهودي على الجنس العربي

      وبناء على ما مر يقولون بعد مواضع: إن الله أوصى إلى موسى: أن عليك أن تحتل الأرض من الكنعانيين وتطردهم؛ لأنهم من الشعوب الملعونة. وقد كان يسكنها العمالقة، وكانوا من العرب الذين يسكنون فلسطين قبل أن يأمر الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام بأن يدخلها.
      ونحن لا نتعصب لا للكنعانيين ولا للعمالقة ولا لأحد، فمن كان منهم مشركاً فموقفنا منه معروف، ولكن لننظر كيف يفتعل اليهود المجرمون هذه القصص ويقولون: هذا من عند الله، وما هو من عند الله، ويأتون بمثل هذه الحكايات بغرض أن يستجلبوا عداوة اليهود وعداوة غيرهم من الشعوب للعرب، لإثبات أن أرض الميعاد أرضهم، وهي أرض فلسطين، بل أرض الشام عموماً من الفرات إلى النيل .
      كما يزعمون أن الله تعالى قال لإبراهيم: "لنسلك أعطي هذه الأرض من النيل إلى النهر الكبير نهر الفرات " ومع أن من نسل إبراهيم محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته، فإن اليهود يجعلون كل ما فيه تشريف أو تكريم منحصراً فيهم، وكل ما فيه عيب وهمز ولوم وذم وطعن ومنقصة، جعلوه في الشعوب الأخرى، من الكنعانيين، والعرب، والفلسطينيين، والمصريين، والعمونيين (أهل عمان) وغيرهم، فلا تكاد تقرأ موضعاً في التوراة إلا وفيه السب والشتم -كما يقول مصطفى محمود- على أهل مصر، أو على الفلسطينيين؛ لأن الفراعنة كانوا في مصر، والفلسطينيون هم الكنعانيون، وهم الذين كانوا في الأرض التي دخلها اليهود، وهكذا، وبهذا يتبين لنا أن التوراة محرفة.
    5. سخافات تدل على التحريف في التوراة والإنجيل

      وفي آخر التوراة يقول الكاتب ما معناه: "ولما أراد موسى أن يموت أمره ربه أن يصعد إلى الجبل، وهناك يقول له الرب: أنت ستموت هنا، قال: ومات موسى وكان عمره مائة وعشرين سنة، ولم يسقط له سن ولم تشب له شعرة، ثم جاء بنو إسرائيل ودفنوه، وقبره هناك، ولم يعرف أحد قبره إلى اليوم، ولم يأتِ بعده نبي إلى اليوم".
      فهل يعقل أن يكون هذا كلام رب العالمين أنزله على موسى؟!
      كيف ينزل على موسى أنه مات، وأن عمره كذا، وأن قبره هناك، وأنه لن يأتي بعده أفضل منه؟
      ولو كانت لديهم عقول لما آمنوا بأن هذا مما أنزله الله على موسى عليه السلام، ولكنهم يؤمنون بذلك؛ لأنهم زعموا أن ذلك من ضمن التوراة.
      وأما بالنسبة للأناجيل، فإننا نجد أيضاً العجب العجاب! فالإنجيل الذي أنزله الله تبارك وتعالى وسماه (الإنجيل) هو إنجيل واحد فقط، ولكن النصارى الموجودين الآن في العالم عندهم من الأناجيل المطبوعة سبعون إنجيلاً، وهذه الأناجيل يكذب بعضها بعضاً في أشياء أساسية، فهم يقولون عن موسى: إنه مات ودفن وكان عمره كذا، ولا يعلم أحد قبره إلى اليوم، ولم يأت بعده نبي مثله، وهذا لا يمكن أن يكون مما أنزله الله على موسى، فلا يمكن مثلاً أن يقول الله في القرآن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة كذا ودفن في كذا، وجاء بعده الصحابة الكرام أبو بكر وعمر ... فلا يمكن أن يكون هذا من القرآن الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن يمكن أن ندرجه في أخبار التاريخ والسير.
      إذاً: فهذا يدل على أن التوراة والأناجيل ما هي إلا سير جمعها الناس وكتبوها، وكل منهم كتب ما عنده ؛ لأن هذه الكتب لم يتكفل الله تعالى بحفظها ؛ ولكنهم استحفظوا عليها، كما قال تعالى: (( بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)[المائدة:44]، ففرق بين ما استحفظ وبين ما حفظ، قال تعالى عن القرآن: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، فهذا محفوظ، وذاك مستحفظ عليه، وقد تستحفظ من لا يحفظ، وهذا هو ما وقع، فقد استحفظ الله تبارك وتعالى من ضيعها وأكل بها السحت، وحرفها بأنواع التحريف: إما بالتحريف الحقيقي: وهو أن يأتوا بآيات ويكتبوها، ثم يقولون: هذا من عند الله وما هو من عند الله. وإما بالتحريف في الألفاظ: وهو ليُّ اللسان: ((يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ))[آل عمران:78]، أي: أنه يقرأ الآية -مثلاً- في التوراة، فيلوي لسانه لتدل على معنى آخر غير المراد منها.
      فإما أن يغيروا الكلام ويبدلوه، وإما أن يحرفوه عن مواضعه (يلوون اللسان به)، وإما أن ينزلوه على غير ما نزل فيه. وهذا من التحريف، كأن تنزل آية في فلان فيجعلونها في فلان آخر، أو تنزل في الحلال فيجعلونها في الحرام، وكل أنواع التحريف وقع فيه اليهود.
  3. كتاب التلمود

     المرفق    
    وأما النصارى، فقد أرسل الله سبحانه وتعالى إليهم عيسى عليه السلام، بعد أن حرفت التوراة بتحريفات كثيرة جداً، وأول ما تعرضت له كما يعترفون ويصرحون: أنها ضاعت وفقدت، وقد ذكروا في نفس التوراة أن كتاب الرب قد فُقد، وحصل ذلك لما أرسل الله سبحانه وتعالى عليهم كما قال: (( عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ))[الإسراء:5]، وهؤلاء العباد هم الفرس (بختنصر)، فبذنوب اليهود سلط الله عليهم عدوهم فأخذوهم وسبوهم، وكان السبي المعروف في تاريخ اليهود بالسبي البابلي، هو سبي اليهود إلى بابل، وهي بلاد فارس في ذلك الزمن، وأُخذ كبراؤهم وقادتهم ووضعوا عند ملك الفرس، ودمرت مدن اليهود، فضاع كتاب الرب ؛ لكنهم قالوا: إن عزيراً تلقاه، وإن الكهنة جمعوه، فعاد الكتاب وعادت التوراة مرة ثانية، ولكنهم لما ذهبوا إلى بابل قاموا بشرحه، فجاء اليهود في بابل بشرح، وجاء يهود فلسطين بشرح آخر، فأصبح عندهم ما يسمى: بالتلمود، ويوجد عدة تلمودان: تلمود فلسطين، وتلمود بابل، وكل منهما غُيِّر وبُدّل.
    ولو أن الأمر اقتصر على ما في التوراة لكان الشر أهون، لكن المصيبة أنهم جاءوا في التلمود بأغرب وأعجب مما حرفوه في التوراة، فما عجزوا عن تحريفه في نصوص التوراة أضافوه في التلمود، ومن ذلك قولهم: إن الله سبحانه وتعالى -تعالى الله عما يصفون- يجلس وأحبار اليهود عن يمينه وعن شماله، ولا يقضي أمراً إلا ويستشيرهم فيه!! وهذا الكلام مكتوب في التلمود، وغيره كثير..
    وكلام الرافضة في أصول الكافي أو في غيره عن أئمتهم وعن مقامهم عند الله، وأن الله تعالى يستشيرهم كل يوم، وأنه لا يقضي أمراً إلا بهم.. هذا الكلام بعينه قالته اليهود وكتبوه في التلمود منذ آلاف السنين، فقد أخذت الروافض هذا المعتقد من اليهود، فجعله اليهود لأحبارهم وجعلته الرافضة لأئمتهم، فقالوا عنهم: إنهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما سيكون، وإنهم يدبرون الأمر، وإن الله تعالى يستشيرهم ...إلخ.
    وفي التلمود كتب اليهود وقرروا أنهم شعب الله المختار، وأن من عداهم حمير خلقهم الله على هيئة الشعب المختار في الشكل حتى يستطيعوا أن يستخدموهم؛ لأن الحمير التي تمشي على أربع لا تخدم اليهود خدمة متكاملة؛ لأنها عجماء بكماء، فخلق الله إكراماً لشعبه المختار -كما يزعمون- حميراً على شكل الشعب المختار، وهم أبناء الشعوب السبعة الملعونة كما يسمونها، فالشعوب السبعة الملعونة خدم وعبيد للشعب المختار (اليهود)؛ ولذلك قالوا كما ذكر الله عنهم: (( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)[آل عمران:75]، فقد قالوا: إن مال الأُمِّيين حلال، والزنا في الأميين حلال، وقتل الأميين حلال، فلا يأثم اليهود بشيء من ذلك!!
    وبعض الأحبار فيه شيء من الإنسانية، فقد قال: لا يجوز الزنا بالأمية إلا بشرط أن يزيد عمرها عن ثلاث سنوات ولو بيوم واحد!! ويقولون في التلمود: إذا وقع أمي في حفرة فأنقذه يهودي فهو آثم، ولكن عليك إذا رأيت الأمي وقع في حفرة أن تلقي عليه حجراً كبيراً حتى يموت.
    وهناك تعليمات للحرب في التلمود وبعضها مذكور في التوراة: إذا غزوتم أو دخلتم بلداً للأميين، فأحرقوا كل شيء حتى النساء والعجائز والأطفال، وحتى النباتات، وحتى الحيوان. هذه تعليمات في التلمود، ومنها تنطلق إسرائيل.
    ومن لم يكن يهودياً فهو ماسوني، والماسونية: هي التنظيم السري الذي جعله اليهود في الأميين، ليسخرهم للعمل لصالح اليهود بشكل أفضل، والماسونية -كما يقولون- أصلها العامل أو البنَّاء، ومعنى (فري ماسون): البناءون الأحرار، وأول ما وجدوا عند الهيكل الذي يبكي عليه اليهود ويزعمون أنه هيكل سليمان عليه السلام، ولما دخلوا القدس سلم لهم الاشتراكيون والتقدميون الطائرات بمطاراتها، وسلموا لهم الدبابات، وسلموا لهم كل شيء على طول الطريق حتى دخلوا قناة السويس والجولان والقدس، فلما دخلوا اجتمع الأحبار الكبار وظلوا يبكون عند حائط المبكى، ويعتبرون هذا يوم نصر وإعادة لمجد داود وسليمان كما يزعمون، والذين بنوا ذلك يسمون: البنائين الأحرار، فبدأ التنظيم من ذلك الزمن، (تنظيم البنائين الأحرار) وهو الماسونية، وانتشرت في العالم كله، ومنها ما يسمى نوادي الروتاري ونوادي اللينوز، ومنها نوادي للسيدات والمراهقين، والمراهقات، ونوادي للكبار.
    والماسونية: منها ماسونية عامة، وماسونية خاصة، وهي التي يسمونها: الماسونية الملوكية، وهي التي تكون للرؤساء والقادة في العالم كله، ومعظم دول العالم الآن يوجد فيها جميع أنواع الأندية الماسونية، ما عدا دولاً معينة لا توجد فيها هذه الأندية بشكل مسموح به، ولكنهم يحاولون أن يدخلوها إلى كل بلد، وهي كلها تخدم أهداف اليهود (شعب الله المختار).
    إذاً: التوراة والتلمود حُرفا تحريفاً عجيباً، ومن أعظم ذلك التحريف ما يتعلق بأن الآلهة أو المعبودات ليست إلا أحبار اليهود، وقادتهم وزعماءهم.
  4. الأناجيل المحرفة

     المرفق    
    أما الأناجيل: فإن الله سبحانه وتعالى لما أرسل عيسى عليه السلام أنزل عليه الإنجيل، وهو كلام الله سبحانه وتعالى وليس كلام عيسى قطعاً، ولكن النصارى تعرضوا لما تعرض له اليهود من التحريف، وإن كان الذي تولى التحريف لدين النصارى هم اليهود، والذي تولى ذلك هو بولس ويسمى: شاؤول، لكنه سمى نفسه بولس، والذي يزعمون أنه الرسول، وكل العالم النصراني اليوم -تقريباً- على دين بولس، وقد ظهر في القرن الثامن عشر كاتب إنجليزي كان جريئاً، وقد كفرته الكنيسة والباباوات، فألف كتاباً سماه: يسوع لابولس، يقول فيه: يجب أن نعيد النظر وأن نتبع يسوع ولا نتبع بولس. وغيره كثير ممن أثبتوا أن هذه الأسفار الموجودة من كلام بولس، وأنها على غير العقيدة والشريعة، ونحن نذكر أمثلة على هذه التحريفات:
    فهل يمكن أن يكون في الإنجيل أن الله ثالث ثلاثة؟! تعالى الله عن ذلك! قال تعالى: (( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ)[آل عمران:79]، فلا يمكن أن يقع هذا !! ولهذا ذكر الله تعالى ذلك في سورة آل عمران في الرد على نصارى نجران، وأن عيسى عليه السلام لا يمكن أن يقول: (إني ابن الله) أبداً، وقد وردت عبارات في الأناجيل أنه (ابن الله)، ووردت عبارات أنه (ابن الإنسان)، ووردت عبارات: (أبناء الله).
    وعندما اجتمع السادات مع كارتر وريجن ومجموعته في كامب ديفيد -أي: معسكر داود- جعلوا فقرة من الإنجيل المحرف شعارهم: "طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون"، أي: الذين صنعوا السلام طوبى لهم؛ لأنهم يسمون أبناء الله، إذاً كل البشر -ومنهم ريجن وكارتر والسادات - أبناء الله، فإذا كان كل ما أضيف إلى الله من البنوة معناه ما تعتقدون في عيسى، فكل الخلق أبناء الله!
    فالمقصود: أن هؤلاء قوم ليست لهم عقول، وإنما يأخذون دينهم بلا عقل، ولا يمكن أن يكون ذلك في الإنجيل الذي أنزله الله تعالى قطعاً.
    1. بعض الأحكام المحرفة عند أهل الكتاب

      وكذلك حرفوا الشريعة، فمثلاً: من التشريعات التي حرفوها: تحريم التماثيل. وهذا الأمر له علاقة بالعقيدة، فإن جميع ما أنزل الله سبحانه وتعالى من الكتب على الرسل تدعو الناس إلى تحريم صناعة التماثيل وتعظيمها؛ لأنها أصل عبادة الأصنام، وأولهم قوم نوح عليه السلام، فإن قومه صوروا وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً في أول الأمر ليتذكروهم؛ فآل بهم الأمر إلى أن عبدوهم، فحرم الله تبارك وتعالى التصوير، وإبراهيم عليه السلام هو الذي حطم الأصنام وجعلها جذاذاً، وقد جاء التحريم أيضاً في التوراة، ففيها: "لا تكونوا كالوثنيين، ولا تصنعوا تمثالاً، ولا تعبدوا حجراً، ولا ترسموا صورة"، ومثله في الإنجيل، ولكن جاء بولس فأباح لهم التماثيل، حتى أصبحت كل كنيسة في العالم، وكل ميدان من الميادين العامة في المدن ونحوها، فيها صورة للمسيح، وصورة لأمه، وصورة للملائكة، وأشد من ذلك -والعياذ بالله- أنهم يأتون بصورة رجل كبير في السن، وبجانبه مريم والمسيح، ويقولون: هذه مريم، وهذا عيسى، وهذا الله، تعالى الله عما يصفون! فهل يعقل أن يكون هذا الكلام في كتاب الله وأن يكون الله أنزله ؟! ومع ذلك يقولون: هذا هو الإنجيل، وهذا هو كتاب الله، وهذا الكلام كلامه تعالى!!
      ومن ضمن ما غير بولس في شريعة النصارى: الختان الذي هو سنة إبراهيم عليه السلام، فقد اختتن إبراهيم عليه السلام، وجعل ذلك سنة لبنيه من بعده: (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)[العنكبوت:27]، فكل الأنبياء من بعده هم من ذريته عليه الصلاة والسلام، فجاء بولس فحرم الختان، ولهذا فإن النصارى يبقون غرلاً (قلفاً) غير مختونين. وكذلك أحل لهم أكل الميتة والنجاسات وقد كان محرماً في الإنجيل.
      وهدى الله أمة الإسلام في ذلك كله: ((فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ))[البقرة:213]، فمن أعظم نعم الله تعالى على أمة الإسلام: أن هداهم لما اختلف فيه اليهود والنصارى من الحق، ومن ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: {نحن الآخرون الأولون يوم القيامة..}، فقد ضلَّ اليهود والنصارى عن يوم الجمعة، فجعلته اليهود السبت، وجعلته النصارى الأحد، وهدى الله تعالى هذه الأمة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهداهم إلى يوم الجمعة.
      وفي مسائل الشريعة والعبادة نجد العجب العجاب! فصوم اليهود -وهو سبتهم- أن يترك الفرد بعض الأشياء، فلا يركب السيارة أو الدابة مثلاً ويظن أن هذه هي العبادة. وصيام النصارى هو عدم أكلهم ما كان فيه دهن أو ما كان من ذي روح.
      وكذلك وضعوا تشريعات من عندهم في الطهارة، فمن دين اليهود: التشدد في التحرز من النجاسة، فإذا وقعت النجاسة على أحدهم فإنه يقص ما وقعت عليه النجاسة، وأما النصارى فإنهم يتساهلون تساهلاً شديداً؛ فإن الواحد منهم لا يغتسل من الجنابة ولا يتطهر من الخبث، ثم يدخل الكنيسة فيتعبد ويترهب وهو بهذه القذارة والنجاسة والعياذ بالله! وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق في الطهارة، وفي الاختتان، وفي خصال الفطرة جميعاً، وفي كل شيءٍ، والحمد لله رب العالمين.
    2. سبب اختيار النصارى لبعض الأناجيل دون بعض

      وهناك إنجيل لا يعترفون به جميعاً وهو إنجيل برنابا؛ لأن فيه التصريح بأن الله واحد، وأن عيسى رسول الله وليس ابن الله، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم، ويجب عليكم أن تؤمنوا به، ولكنهم لا يؤمنون به مع أنه موجود إلى اليوم في مكتبة الفاتيكان في روما وفي غيرها من المكتبات، وهو مكتوب ومحفوظ يتوارثونه، وليس للمسلمين فيه يد، وهم يعترفون بوجود برنابا وأنه من الحواريين، ولكنهم لا يعترفون بكتابه ولا يقرءونه.
      إذاً: لماذا اختاروا من أناجيلهم السبعين أو أكثر أربعة أناجيل فقط؟ وكيف اختاروا هذه الأربعة الموجودة الآن فيما يسمى بالعهد الجديد، التي هي: إنجيل متى ولوقا ومرقص ويوحنا ؟
      الجواب: لأنهم عندما اجتمعوا في مجمع نيقيا عام (325) بعدما تنصر قسطنطين أجروا مناظرة، وكانت كل طائفة لها دين، وكانوا حوالي ألف وخمسمائة، فتناظروا وتجادلوا طويلاً فكان منهم ثلاثمائة وثمانية عشر فقط هم الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، فمال إليهم الإمبراطور وقلدهم السيف، أي: أعطاهم سيفه، وقال: أنا منكم وأنا معكم، وأظهرهم على الباقين، فاختار هؤلاء الذين يعتقدون بأن عيسى عليه السلام ابن الله، اختاروا من الأناجيل ما يؤيد عقيدتهم وكلامهم، ثم أصدروا أوامر بإلغاء الباقي وإحراقها ومنعها، فمنعت وألغيت.
      لكن احتفظت كل فرقة بإنجيلها، ثم لما جاء العصر الحديث جمعت المخطوطات والكتب، وأصبحت المكتبات تحوي أنواعاً كثيرة من هذه الأناجيل، وفي أحد هذه الأناجيل يقول: "لما كان كثيرون قد قاموا بتأليف كتب فيما وجدوه عن الكلمة، مما روي أو نقل عن الكلمة -يعني: المسيح عليه السلام- رأيت أنا أيها العزيز ثاوفيلوس أن أنقل إليك كما سمعت وكما حدثت"، وتاوفيلوس تاجر يوناني كان في مصر، فيقول له: لقد رأيت كل واحد من الناس أخذ يكتب عن المسيح، فهذا يؤلف فيما سمع ويقول: قصة المسيح في الخليل، وهذه قصة المسيح في السامرة، وهذه قصته في كذا، فكل واحد كتب ما بلغه، وأنا سأكتب ما بلغني.
      فالإنجيل نفسه ليس من كلام الله، ولم يقل كاتبه: هذا أوحاه الله إلي، أما اليوم فلو قابلت أي نصراني لقال لك: هذه الأناجيل وحي من الله، ويزعمون أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسلاً، وهم عندما يقولون: (الله) يعنون به (يسوع) فيقولون: إنه أرسل رسلاً ومنهم بولس وغيره، وعددهم مائة وعشرون رسولاً، وهؤلاء الرسل هم الذين ألفوا هذه الأناجيل أو هذه الرسائل.
      إذاً: فهم يعتقدون أنها وحي من عند الله، ثم إذا أراد النصارى أن ينفوا التناقض ويدرءوا التعارض بين الأناجيل، جاءوا بالعجب العجاب! وهي أشياء واضحة وصريحة في التناقض، فمثلاً: يذكرون في بعض الأناجيل أن بين داود وعيسى عليهما السلام أربعين جيلاً، وفي بعض الأناجيل أن بينهما خمسة وعشرين، وهذا فرق عظيم، فهذه أقوال يكذب بعضها بعضاً، ومع هذا يقولون: إن هذا وحي وهذا وحي، وعليك أن تصدق وتوقن وتؤمن بها، ثم بعد ذلك فكر، لكن أن تفكر في الشيء قبل أن تؤمن به فلا يصح إيمانك، وهكذا غيروا في دينهم بما لا يسعنا تفصيله، لكن نقول: إن التوراة والإنجيل الموجودان اليوم محرفان؛ فلا نؤمن بأن هذه الكلمة أو هذه الجملة أو هذه الآية بمفردها وبعينها مما أنزله الله تعالى ولا نقطع بذلك، بل نقول: إن هذا الكتاب أنزله الله، ونحن نؤمن به، أما ما في أيديكم فقد غُيِّر وبُدِّل، أعني: نؤمن بها في الجملة.
    3. موقفنا مما في التوراة والإنجيل

      وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في آيات من القرآن وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة أشياء موجودة في التوراة، فنحن نؤمن بها لصحتها عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لمجرد أن اليهود ذكروها، ومن ذلك: منها قوله تعالى: (( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)[المائدة:45] إلخ، فعلينا أن نؤمن بأن هذا من أحكام التوراة، وكذلك قوله تعالى: ((كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))[آل عمران:93]، فنحن مؤمنون بأن الطعام كان في التوراة حلال كله، وأن ما حُرم على بني إسرائيل فهو بسبب الذنوب التي ارتكبوها.
      وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن حد الرجم موجود في التوراة، قال تعالى: ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ))[المائدة:43]، ولما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أحبارهم أن يأتوا بالتوراة، فلما جاءوا بها وضع كبيرهم يده على آية الرجم.. فنحن نؤمن بأن الرجم موجود فيها.. وهكذا، وكذلك أيضاً نعلم أن صفة النبي صلى الله عليه وسلم مذكورة في التوراة؛ لأن الله تعالى ذكر ذلك فقال: (( النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ)[الأعراف:157]، ومن ذلك في السنة: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين ... إلخ) كما في حديث عبد الله بن عمرو.
      فأي شيء يذكر في القرآن أو تصح السنة بأنه في التوراة أو في الإنجيل، فنؤمن به؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكره، وأما ما عدا ذلك فلا نذكره إلا رواية عنهم، أي: ننسبه إليهم، فإن كان موافقاً للقرآن فما عندنا من القرآن يغني عنه، وإن كان مخالفاً له، فنعلم قطعاً أنه مما دخله التحريف، أو النسخ إن كان في الأحكام، فلا يلزم في الأحكام أن تكون محرفة، فقد تكون منسوخة بالنسبة لنا، وقد تكون أيضاً مما حرف، فإن كان مما يتعلق بالأخبار فلا بد أن أحد الخبرين كذب، والله سبحانه وتعالى لا يُنزل إلا الحق: (( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)[الإسراء:105]، ولا يمكن أن ينزل الله تعالى الباطل، فإذا ما وجدنا نصاً في التوراة يخالف ما في القرآن؛ علمنا أن ما في التوراة محرف، وكذلك الإنجيل، ولا يمكن أن يتعارض خبران، فبهذا نعلم أن ذلك من تغيير الأحبار والرهبان، ومما كتبوه بأيديهم ونسبوه إلى الله سبحانه وتعالى، أو زادوا فيه أو نقصوا منه فتغير عن وجهه وعن حقيقته. وكذلك مزامير داود، وهي جزء مما في التوراة.
    4. موقفنا من الزبور

      أما الزبور الذي يقولون عنه: إنه الذي أُنزل على داود عليه السلام، فهو كتاب فيه مواعظ، ولا ندري من أين أتوا بها! والأشبه والله تعالى أعلم أنها من وضع الصوفية والوعاظ والقصاص، فهم الذين وضعوا هذه الكتب، ووضعوا أيضاً صحف إبراهيم التي رووها بأحاديث موضوعة، كما هو مذكور في كتب الموضوعات.
      والزبور كما يبدو أنه من وضع الوعاظ أو القصاص، ويكونون من وعاظ اليهود؛ والمهم أن نسبته إلى الله لا تصح، وأنه باطل في نسبته، أما المزامير التي في التوراة، فهي عبارة عن أدعية وتضرعات وابتهالات ينسبون إلى داود عليه السلام أنه كان يتضرع بها، وكان يعبد ربه ويدعوه بها، وقد يكون بينها تشابه في العبارات ؛ لكن المزامير غير الزبور، ونحن نؤمن بأن الله أنزل الزبور على داود، وأن الزبور مفقود لا وجود له.
      فإذا نسبنا شيئاً مما في التوراة فنقول: ذكر في التوراة عن داود كذا، والتوراة محرفة، فننسبه إليها ولا نقوله معتقدين صدقه، بل نعزوه إلى التوراة، واليهود أنفسهم لا يعترفون به.
      وكذلك الروافض عندهم صحف ينسبونها إلى الله، مثل الصحيفة السجادية وغيرها، ويقولون: هذه من عند الله.