وأهل الرأي هم الذين أحدثوا الافتراضات، وكلمة (أهل الرأي) تطلق في الأصل على فقهاء
العراق، ثم اشتهر به الحنفية عموماً، ومدرستهم هي امتداد لمدرسة أهل
العراق أو أهل
الكوفة حتى أصبح يطلق عليهم، وكان هذا الاتجاه موجوداً في
المدينة ولكن بنسبة قليلة، وأكثر ما كان أهل الرأي في
العراق، ثم انتشر مذهبهم فوصلت الحالة ببعضهم إلى أن تركوا الآثار، واعتمدوا على الأقيسة والافتراضات، ولهذا نجد أنّ كتب العقيدة الأثرية التي تروي بالسند؛ تضع الأبواب والفصول في ذم الرأي وأهل الرأي، وليس المقصود هنا بأهل الرأي أهل الاستنباط، وإنما المقصود: أصحاب الافتراضات الذين يفترضون ما لم يقع، أو الذين لا يشتغلون بالآثار والأحاديث، إنما يشتغلون بالأقيسة والآراء وبالجدل. ومن المطاعن في كتاب
المجروحين لـ
ابن حبان قوله: كان من أصحاب الرأي.. وقد استقى ذلك من كلام الإمام
أحمد والإمام
البخاري رضي الله تعالى عنهما.
فقد أصبح لأهل الرأي اتجاه فكري موجود، وهو اتجاه يستنبط، ولكنه يتعمق في ذلك إلى حد أنه يفترض المسائل التي لم تقع ويفترض لها الحكم، فيقول: كيف لو كان كذا؟ وكيف لو كان كذا؟ ويوجد في كتب الفروع وكتب الفقه المبسوطة والمطولة الشيء الكثير من هذا؛ أما كتب الحديث والسنة فإنها تنقل الأحاديث فقط، أو تنقل الأحاديث مع شيء من الشرح، فتقرؤه في أيام أو في أسابيع، فإذا جئت إلى كتب أهل الرأي تجد العجب العجاب! فيقولون مثلاً: الماء متى ينجس؟ ومتى لا ينجس؟ ويفترضون في الماء الذي يبلغ القلتين أن طوله كذا ذراعاً، وعرضه كذا ذراعاً، وعمقه كذا ذراعاً، ويقولون: إذا جاءت النجاسة من هنا، أو دخلت من هنا، أو ألقيت وكانت من نوع كذا، ويأتون بافتراضات كثيرة جداً.. ولهذا جاء عن شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله كما في
المسائل الماردينية وفي غيرها، أنه رد وأبطل كثيراً من هذه الافتراضات التي لم تبنَ على دليل.