وقبل أن نستعرض صفات الفرقة الناجية، نقف قليلاً عند موضوع النجاة، فهل تعني نجاة هذه الفرقة أن كل من كان من أهل السنة والجماعة -إذا قلنا: إن الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة عامةً- فهو ناج من العذاب، وغير متوعد، وهو على حق وعلى استقامة في سلوكه، وفي خلقه ومعاملته مع ربه دائماً؟
الجواب: إذا قلنا بالمعنى العام أن أهل السنة عامةً كل من اعتقد الحق، ودان لله تبارك وتعالى به، فيكون المرء بهذا قد نجا من أهل الأهواء والبدع والضلالات، ولكن من أهل السنة من هم أصحاب كبائر، وقد لا ينجون من النار، فالنجاة هنا لا تعني عدم الوقوع في الكبائر أو المعاصي وما يترتب على ذلك من العقوبة، فمن كان من أهل السنة في العقيدة، ولكن قد يزني، وقد يسرق، وقد يشرب الخمر، وقد يصر على كبيرة؛ فيعذب بها؛ مع أنه من أهل التوحيد ومن أهل السنة، وليس من أهل الأهواء والضلالات والبدع.
إذاً: النجاة هنا هي في باب الاعتقاد، فمنهجهم منهج نجاة، ولا يعني ذلك أن أحدهم إذا ارتكب موبقة أنه لا يحاسب عليها.. نقول هذا لأمرين:
الأمر الأول: حتى يعلم أهل السنة أنه يجب عليهم أن يطبقوا دين الله كله، ويلتزموا أوامره وحدوده جميعاً، ويستقيموا على أمره، مع السنة ومع الاستقامة في العقيدة.
الأمر الثاني: حتى لا يأتي أهل البدع فيشككوا أهل السنة، كأن يقولوا: أنتم تزعمون أنكم فرقة ناجية وطائفة منصورة، وفيكم من يشرب الخمر، وفيكم من يزني...؛ فهل هذا فعل الناجين؟ كلا؛ بل هو فعل الهالكين! ويرجحون عدم نجاة أهل السنة؛ لأن من أهل البدع من هو على عبادة وجهاد وذكر، فلو قارنا بين هؤلاء وهؤلاء، لبدت الموازنة غير صحيحة، فكيف يقال: إن أهل السنة موعودون بالنجاة مع ما عند بعضهم من فجور، وأولئك متوعدون بالهلاك مع الذكر والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
فنقول لهم: النجاة والهلاك المقصودان هنا هما بحسب الاعتقاد.
أما ما يقع من أهل السنة والجماعة، فكما تقدم بيانه، ولو دخلنا في باب المقارنة لكان أهل السنة أكثر خيراً وأقل شراً، قولاً وعملاً واعتقاداً، والواقع شاهد بذلك، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (كل خير عند أهل البدعة، ففي أهل السنة والجماعة مثله وأكثر منه، وكل شرٍ أو فجورٍ أو فسقٍ في أهل السنة، ففي أهل البدعة مثله وشر منه وأكثر).
فليس ميزان النجاة ألا يوجد في أهل السنة أصحاب فجور، ولكن ميزان النجاة سلامة الاعتقاد؛ فهو الأساس، وإذا جعلنا وجود الشر أو الفجور ميزاناً، فإن أهل البدع أكثر فجوراً وشراً، وأيما فرقة من الفرق تزعم أنها أفضل من أهل السنة ؛ فإننا نقارن بينها وبين أهل السنة، فنجد ذلك واضحاً، ويكفينا أن نعلم أن أهل السنة يدخل فيهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما أنا عليه وأصحابي}، والقرون الثلاثة المفضلة، فهل يمكن أن يكون في فرقة أخرى من يوازن أو يعادل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون الثلاثة المفضلة؟ لا يمكن أبداً. فإذا كان في آخر الزمان من أهل السنة من لديه ما يستنكر، فإنا ننظر إلى أهل السنة في الجملة، وننظر إلى أهل البدع في الجملة، فنجد في هذه المقارنة فرقاً وبوناً شاسعاً.
وأما أهل البدع؛ فكل ما فيهم من خير، فهو نتيجة اتباعهم لشيء من السنة، أو اقتدائهم بـأهل السنة والجماعة، أو على الأقل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فأهل البدع إن كان فيهم ذو علم أو من يحب العلم ويحرص عليه، فلأنه إنما يعتمد على كتب أهل السنة، فيعتمد على صحيح البخاري وصحيح مسلم، وعلى مسند الإمام أحمد، وعلى كتب السنن، وكتب الرجال، وأقوال علماء الرجال، وعلماء الرجال إنما هم من أهل السنة، أمثال: الإمام أحمد، والبخاري، والنسائي، وابن المديني، وأبي زرعة، فأهل البدع إن كان لديهم خير أو فضل أو علم فمرجعه إلى السنة وأهلها.
ومع ذلك؛ فإنه يجب أن يكون أهل السنة والجماعة في جميع العصور مستقيمين على أمر الله في كل شيء، ولا يكفي أن يكون الإنسان على عقيدة صحيحة وهو يقصر في أداء الواجبات، فإن ذلك دليل على ضعف في الإيمان بهذه العقيدة، فلا ينبغي أن يكون في سلوكه وخلقه وتعامله مع الناس مخالفاً لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع أن هذا واقع من بعض أهل السنة، فإنه لا يعني أفضلية أهل البدعة على أهل السنة .