وأول من أظهر الاعتزال هو
واصل بن عطاء، و
عمرو بن عبيد، حيث اعتزلا حلقة
الحسن البصري، عندما أثارا مسألة مرتكب الكبيرة: هل هو كافر أم مؤمن؟ وهي من المسائل التي أثارها
الخوارج، واستمر الحديث والكلام عنها منذ عهد
الخوارج، فكان
أهل السنة من الصحابة والتابعين يبينون للناس أن مرتكبي الكبائر مؤمنون، وكان
الخوارج ينشرون خلاف هذا، وكان
الحسن البصري ممن بين الحق في هذه المسألة، لكنه أتى بقول لم يقصد به ما فهمه أولئك.. قال: (إن المرء إذا قال: أنا مؤمن، ثم زنى وسرق، وفعل ما حرم الله، فهو منافق؛ قد ادعى الإيمان، وأظهره بلسانه، وخالف ذلك بأعماله، وهذا نفاق)، فاختلف تلاميذه، وأخذوا يدوكون، فقالوا: قل قصد
الحسن بذلك أنه منافق خرج من الملة أم لم يقصد ذلك؟ وكان في الحلقة
واصل بن عطاء، فقال: ليس هذا هو القول الحق، بل مرتكب الكبيرة كافر، ولابد أن نصرح ونقول: هو كافر، ثم أخذ يفكر هو ومن معه، فقالوا: لو قلنا: إنه كافر، لاعترض علينا الناس، ولكن نقول: هو كافر في أحكام الآخرة؛ مخلد في النار، أما في الدنيا فلا نسميه كافراً ولا نسميه مؤمناً، بل نقول: هو في منزلة بين المنزلتين، فاتفقوا على هذا الرأي، ثم نشروه في الآفاق.
وبعد أن أحدث
المعتزلة ما أحدثوه في مسألة الإيمان ومرتكب الكبيرة، ضموا إلى ذلك مذهبهم الخبيث في القدر -لأن
القدرية في الأصل هم
المعتزلة، و
المعتزلة هم
القدرية- وأخذوا مقالة
معبد الجهني، وأضافوها إلى ما قالوه في مرتكب الكبيرة، وقالوا: إذا أثبتنا أن الله كتب المعاصي وقدرها، فكيف يعاقب من يرتكبها؟! فأنكروا القدر، فسموا
قدرية؛ لإنكارهم القدر، وسموا
معتزلة؛ لاعتزالهم مجلس
الحسن البصري، واشتهروا بذلك، فضموا هذا الأصل الخبيث إلى ذلك الأصل.
ثم أتوا بأصل خبيث ثالث، أخذوه عن
الجعد بن درهم، وهو إنكار الصفات، وقد أظهر
الجعد هذه المقالة الخبيثة بعد أن أخذها عن بعض
فلاسفة اليهود أو عن بعض
الصابئين، وقال: إن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، فضحى به
خالد بن عبد الله القسري رحمه الله في يوم عيد الأضحى، وأزهق تلك الروح الخبيثة، ولكن مقالته كانت قد انتشرت، فجاء
المعتزلة بما لديهم من تأثر بـ
الصابئين و
الفلاسفة، فضموا إلى أصولهم هذا الأصل الثالث، وهو إنكار صفات الله سبحانه وتعالى، ثم تطور مذهبهم حتى أصبح مبنياً على الأصول الخمسة، التي هي في الحقيقة لا تخرج عن هذه المبادئ الثلاثة، وانتشر مذهب الاعتزال، ولكن بقي مذهباً فكرياً، فـ
المعتزلة أصحاب فكر، وعقيدتهم إنما هي فكرة وفلسفة، وهي تناقش لدى المشتغلين بالجدل، وفي إطار المثقفين فقط -كما يقال- واستمر هذا إلى القرن الرابع.