وأول الخوارج الذين أظهروا ذلك الغلو سُموا: المحكمة :؛ وهم الذين خرجوا بعد حادثة التحكيم على علي رضي الله عنه، ثم خرج نافع بن الأزرق، وكان نافع من أصحاب الهوى والغلو، ومع ذلك كان يظهر الحرص على الخير والعلم والحق، وقد اشتهر بسؤالاته لـابن عباس رضي الله عنهما -منها ما صح، ومنها ما لم يصح- وخرج نافع وأسس الفرقة المشهورة من الخوارج وهي الأزارقة نسبة إليه، وكان من أتباعه نجدة بن عامر الحنفي، ثم انشق نجدة عن جماعة نافع وكفره ومن معه، فسمي هو وأصحابه النجدات، ثم خرجت الإباضية، وانشقت عن نجدة وعن نافع، وهي نسبة إلى عبد الله بن إباض التميمي، ثم تشعبت فرقهم وانقسمت إلى عدة فرق، منها: الثعالبة، والعجاردة... وغيرها من الفرق الكثيرة، وأكثر هذه الفرق -إن لم يكن كلها- يكفّر بعضها بعضاً، فإن أدنى خلاف يقع بينهم يجعلهم يكفر بعضهم بعضاً؛ بسبب هذه العقيدة الخبيثة وهي: أن مرتكب الكبيرة مرتد.
وهذا الأصل من الأصول الباطلة.. وحتى لو سلمنا أن رجلاً مثل عثمان وعلي رضي الله عنهما ومن كان معهما -وحاشاهم من ذلك- أو أي مسلم -ولو في آخر الزمان- يرتكب كبيرة، فإنه لا يكفر، والأدلة على ذلك جاءت في صريح كتاب الله، وما صح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث لا تحصى ولا تعد، مثل قول الله تعالى: ((وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا))[الحجرات:9]، فسماهم مؤمنين، مع اقتتالهم، لكن الخوارج قالوا: من قاتل أخاه المؤمن فهو كافر، ولهذا يقاتلون المسلمين على أنهم كفار ويستحلون دماءهم وأموالهم.
ولو نظرنا إلى الزاني وشارب الخمر والسارق، لوجدنا أن الله قد شرع في حقهم حدوداً، فالزاني البكر يجلد، والسارق تقطع يده، فلو أن هذه الذنوب تكفر صاحبها وتخرجه من الملة؛ لكانت العقوبة واحدة لكل من فعل ذنباً من هذه الذنوب، وهي القتل؛ لأنه هو حد الردة، لكننا نجد عكس هذا في القرآن، ونجد -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد شارب الخمر، بل وقال في أحدهم : {إنه يحب الله ورسوله} ونجد أنه بعد أن رجم ماعزاً والغامدية أثنى عليهما خيراً رضي الله عنهما.
فهذا وغيره من الأحاديث الصحيحة الثابتة المتكاثرة تقطع بكذب وبطلان الدعاوى التي ادعاها الخوارج.