ذكر بعض المؤرخين القدامى والمحدثين أن أول خلاف وقع في هذه الأمة، كان عقيب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فقالوا: إن الصحابة قد اختلفوا في دفنه، ثم إنهم لما اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، اختلفوا فيمن يكون الخليفة من بعده صلى الله عليه وسلم.
وهذا كلام لا يعول عليه؛ لأن هذا الذي جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم في هذا الشأن، ليس اختلافاً بالمعنى الحقيقي الذي نقصده -أي بالمعنى الاصطلاحي الذي نقصده عند الحديث عن الفرق واختلاف الأمة- وإنما هي آراء ذكرها أصحابها، ثم سرعان ما أجمعت الأمة على ما كان، فما حصل من اختلاف في بيعة الصديق رضي الله عنه في يوم السقيفة؛ لا يصح بأي حال من الأحوال أن نعتبره خلافاً بين المسلمين، وإن قال بذلك من قال من المؤلفين في الفرق، ثم تابعهم المستشرقون وتلامذتهم، فضخموا هذا الموضوع، وقالوا: إن بذور الخلاف في الأمة الإسلامية كانت موجودة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هناك حزبان: حزب لـأبي بكر، وحزب لـعلي، وكان كلا الحزبين يترقب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم للفوز بالحكم.
فهذا كلام باطل، وما أكثر ما يردد في كتب التاريخ والفرق! وهو من اختراعات الروافض، ثم جاء المستشرقون كالعادة، فأخذوا كلام الروافض وأشباههم ونشروه، ثم جاء مِن بعدهم تلامذتهم، فجعلوه هو الكلام الذي يعتمد عليه ولا يعول على غيره، والثابت -والحق- من الأحاديث الصحيحة أنه لم يوجد -بإطلاق- من ينازع أبا بكر في الخلافة، حتى إن علياً بايع أبا بكر الصديق رضي الله عنهما، ولم يكن هناك ما يسمى حزب علي أو حزب العباس، إلا ما كان من أمر بعض الأنصار، وكان هذا الأمر لا يتجاوز أن يكون رأياً شخصياً لهم، ولا يعد خلافاً -على الإطلاق- ولا ينبغي أن يذكر، ولكن خشية أن يقال: لم يُستوفَ الموضوع، فـعلي رضي الله عنه كان ممن بايع الصديق، وأجمعت الأمة على خلافته رضي الله عنه، ثم أجمعت الأمة من بعده على عمر رضي الله عنه.
ولم يكن موضوع الخلافة هو أكبر وأخطر الموضوعات، كما يقول بعضهم، بل ويقولون: إنه أساس الاختلاف في هذه الأمة؛ لأن الرافضة يعتبرون الإمامة ركناً من أركان الدين، فيقولون: إن كل من لم يعرف إمام زمانه فليس بمؤمن، ولذلك جعلوا كل ما وقع في الأمة من خلاف أو اتفاق محوره وموضوعه الخلافة والإمامة.
وأما المستشرقون وأمثالهم، فإنهم في الغالب قاسوا الأمر على واقع الحكومات الغربية وغيرها، فوجدوا أن المنظمات والتنظيمات تتصارع على السلطة وتتنافس -حزبياً- عليها، فقالوا: إذاً حتى أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- يتنافسون عليها، ولأجل ذلك تفرقوا. ويرد هذا الكلام ويكذبه الواقع المتواتر من كتب السنة وكتب التاريخ على أنه لم يقع خلاف قط على خلافة أبي بكر، ولا على خلافة عمر، ولا على شطر خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين.
وإنما وقع الخلاف أولَ ما وقع في خلافة عثمان رضي الله عنه، حينما اندس في صفوف المسلمين من ليس منهم، فكانت الفتنة التي وقعت، والتي تولى كبرها ذلك الرجل اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ، الذي أنشأ وأسس ملة الرافضة.