الناس في منصرفهم من الحج صنفان:
الصنف الأول: ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ))[البقرة:201]، وهؤلاء هم أهل الإيمان.
وأما الصنف الآخر فهم الذين يقولون: ((رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ))[البقرة:200].
فالذي يقول: اللهم أعطني وارزقني في الدنيا، وليس له في الآخرة خلاق، فهذا لا يكون مسلماً؛ لأن هذا هو دعاء كفار قريش عندما كانوا يحجون؛ فقد كانوا يدعون الله ويسألونه البركة، والرزق، وكثرة الأولاد، والانتصار في الحروب، ولا يدعون الله فيما يتعلق بأمر الآخرة، وقد سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان فقالت: {كان يكرم الناس، ويقري الضيف... فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين}.. فقد أخذ نصيبه في الدنيا.
وكذلك المجاهد المرائي، والقارئ المرائي، والمنفق المرائي، فيقال للمجاهد المرائي: {إنما فعلت ليقال: جريء، وقد قيل}، ويقال للقارئ المرائي: {إنما فعلت ليقال: قارئ، فقد قيل}، ويقال للمنفق المرائي: {إنما فعلت ليقال: جواد، وقد قيل}، فالأعمال التي لا تكون لله، يأخذ صاحبها نصيبه في الدنيا.
ومن جملة الأدلة على ذلك -غير ما ذكر الشيخ- قوله تعالى في شأن السحر : ((وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ))[البقرة:102]، فالذي يشتري السحر ويتعاطاه ويعلمه أو يتعلمه، حكمه الكفر؛ لأنه لو كان الساحر من أهل الإيمان والتوحيد لكان له حظ ونصيب.
الشاهد: أن الله سبحانه وتعالى جعل لكل البشر حظاً من الدنيا ونصيباً منها؛ ولكن لا يجوز أن ينسيه ذلك العمل للدار الآخرة، كما قال تعالى: ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا))[القصص:77]، هكذا وعظَ عبادُ الله الصالحون ذلك العبدَ الذي أنعم الله عليه وكفر بنعمته وهو قارون.