قال المصنف: [ولو كَانَ موافقة القدر طاعة] يعني: بغير التزام بالشريعة [لكان إبليس من أعظم المطيعين له] لأن كل ما يعمله إبليس فهو بقدر الله.
هذا عند أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، بل قال عن نفسه ذلك: ((قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ))[الأعراف:16] فهو يعترف بأن الغواية من الله، وكأنه يقول: أنا منفعل لأمرك، فهذا الكلام نفسه هو مدلول كلام الصوفية.

ثُمَّ قَالَ: [ولكان قوم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وقوم فرعون كلهم مطيعين] أي: لأنهم لم يخالفوا قدر الله وإنما خالفوا شرع الله ودينه، أما قدر الله الذي كتب عليهم فكل ما فعلوه فهو مكتوب، وهو موافق لما كتبه الله تَعَالَى حتى عندما قال فرعون: ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) [النازعـات:24]، وقَالَ: ((مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)) [القصص:38] هذا كله بقدر الله، وموافق لقدر الله الذي كتبه قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.
إذاً ففرعون معذور عندما قَالَ هذا القول، بل هم في الحقيقة لم يكتفوا بقولهم: إن فرعون معذور، حتى جعلوه مطيعاً وألّفوا الكتب في تصحيح إيمان فرعون، وأن فرعون لما قَالَ: ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) كَانَ صادقاً والعياذ بالله. لأنه ليس له إرادة، إنما كَانَ ينطق عن الله -تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا- فإذا كَانَ فرعون ينطق عن الله، فموسى ينطق عن من؟ وبأمر من؟!