خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأراد منه عبادة غير تلك التي يظن أولئك
الصوفية، قال تعالى: ((
هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[هود:61] وقال: ((
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً))[البقرة:30] فلابد أن يعلم الإنسان لماذا أوجده الله في هذه الأرض؟ وما هي الحكمة من خلقه ووجوده على هذه الأرض؟ فإنه لم يخلق فيها ليكون مَلَكَاً، ولم تركب طبيعته على أن يسبح ويعبد ولا يفتر أبداً، وإنما ليعبد الله سبحانه وتعالى كما شرع له: ((
وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ)[فاطر:24] فلم تأت أمة إلا ويبعث الله فيها رسولاً أو لديها بقية من آثار الأنبياء، فعلى هذه الآثار وعلى هذا الوحي تهتدي وتسير. ونحن بشر نعبد الله ونأكل مما أحل لنا من الطيبات، ولو حرمنا شيئاً مما أحل الله لنا لوقعنا في الشرك؛ كما في حديث
عياض بن حمار في
صحيح مسلم : {
إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين؛ وحرمت عليهم ما أحللت لهم}.
فعندما آكل ما أحل الله لي معتقداً حله، وأجتنب ما حرم الله علي معتقداً حرمته، فأنا مطيع وعابد لله سبحانه وتعالى.
وعندما يتزوج الإنسان ويقضي وطره وشهوته، ويريد بذلك الأجر والتقرب من الله فهو يعبد الله سبحانه وتعالى.
فهذه أنواع من العبادة لا يمكن أن يظفر بها إلا من عرف هذا الدين، واتبع الحنيفية السمحة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، أما الهندوس ورهبان النصارى السابقين وإلى اليوم، فإنهم ما زالوا يعذبون أنفسهم، فحرموا عليها الزواج وغيره من الطيبات من أجل هذا الزعم الكاذب: لكي يصبحوا كالملائكة، وهذا محال ولا يمكن أن يكون؛ لأنه مخالف لشرع الله ودينه، كما أنه مخالف لما جبل الله عليه النفوس وخلقها، فعبادتنا غير عبادة الملائكة، وعبادة الملائكة غير عبادتنا، فالملائكة لم تركب فيها الشهوات؛ ولذا لم تكن موضع ابتلاء، أما نحن فقال في حقنا: ((
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا))[الملك:2] وقال: ((
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)[الإنسان:3] فنحن موضع ابتلاء أما الملائكة الكرام؛ فإنهم مكرمون مصطفَون مطهرون، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون، ومن المحال أن يصبحوا مثلنا أو أن نصبح نحن مثلهم فكل له عبادته، وكل قد اختصه الله بأمر غير الآخر.
ولهذا نقول: إن أعظم عبادة لله سبحانه وتعالى -أي: تحقيق العبادة بأعلى درجاتها- في اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم. هذه هي الطريق الوحيدة طريق محمد صلى الله عليه وسلم: {فمن رغب عن سنتي فليس مني}، وكل الطرق سواها لا توصل إلى الله سبحانه وتعالى، فمن رغب عن منهجه صلى الله عليه وسلم في أي أمر من أموره فليس من هذا الأمر في شيء، بل هو على شفا جرف هار.