يذكر المُصنِّف هنا أن أصل معرفة العبودية أن تكون مبنية عَلَى الافتقار إِلَى الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ومن الافتقار إِلَى الله: أن القلوب لا تطمئن ولا تهدأ ولا تسكن ولا ترتاح إلا بأن تعرفه وأن تعبده عَزَّ وَجَلَّ، فإن من لم يعرف الله عَزَّ وَجَلَّ حق المعرفة، ويعبده حق العبادة، كَانَ فيه من الشقاء والألم والنكد بقدر جهله بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولهذا نجد عصاة المؤمنين أحسن حالاً من الكفار، والكفار شر من ذلك.
فكلما نقصت من قلب العبد المعرفة نقصت السعادة والراحة والطمأنينة، وأكثر النَّاس سعادة وطمأنينةً في هذه الدنيا هم أكثرهم إيماناً بالله، ومعرفةً به سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولو جاءتهم مصائب الدنيا جميعاً ما أقلقتهم لحظةً واحدة.
والمؤمن قد يحزن أو يغتم، ولكن ذلك لا يفقده سعادته وطمأنينته ورضاه بأن كل هذا من الله وإلى الله، وأن له في ذلك الأجر مهما عظمت المصيبة أو الفتنة، فإنه يرى أن ذلك لم يخرج عن كونه دافعاً وجالباً للطمأنينة، وللراحة التي يجدها.
وأما الكافر فإن قلبه لا يحتمل ذرة من البلاء الذي يصيب المؤمن إلا ويقنط ويجزع ويسخط ويشكو ربه إِلَى النَّاس ويكفر بنعم الله جميعاً من أجل بلية اُبتِلَي بها، لا تعدل ولا تزن شيئاً قليلاً من نعم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي أنعمها عليه، فيجب عَلَى الإِنسَان أن يستشعر أنه فقير إِلَى الله، وأن يكون شعوره ومعرفته بأن قلبه لا يطمئن ولا يسكن ولا يرتاح إلا إذا عرف ربه وعبده واتبع مرضاته، واجتنب مساخطه، هذا هو الذي به تتحقق العبودية الكاملة لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
.