إذا استعاذ المستعيذ المؤمن المنيب وقَالَ: (وأعوذ بك منك) فهو كما قال رحمه الله تعالى: (فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك) ولكن ما علاقة هذا بالمشيئة؟
الجواب: أن ما أعوذ منه وأخاف منه وأخشاه فهو واقعٌ بمشيئة الله، وكذلك ما أعوذ به وهو رضا الله ومعافاته تَبَارَكَ وَتَعَالَى فهو أيضاً راجعٌ إِلَى مشيئته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولهذا قَالَ: (بك منك) فمعناه: إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فهو كما يشاء سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فمنعي وإعاذتي مما أكره هو بمشيئتك، كما أن هذا الواقع لو وقع فإنه بمشيئتك، أي: أن المحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك.
إذاً: هذا كله تسليم لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ثُمَّ يقول: (فعياذي بك منك، وعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك) أي: أعوذ بحول الله وقوته مما يكون بحول الله وبقوته
.
لكن لما قَالَ: (ورحمتك) قابلها (بالعدل والحكمة) لأن الرحمة يقابلها العدل والحكمة، وهذه من الدقة في كلامه رَحِمَهُ اللَّهُ، فالعذاب لا يقع برحمة الله، ولكنه يقع بعدل الله وبحكمته وبقوته وبحوله وبقدرته، ولهذا قَالَ: (عياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك).
ولهذا من الأخطاء في الدعاء أن نقول: (اللهم أهلك الكفار والمنافقين والشيوعيين، برحمتك يا أرحم الراحمين) فلا يناسب أن نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بصفة الرحمة أن يهلك الكفار، لكن نقول: (اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا، واشف مرضانا برحمتك يا أرحم الراحمين)

ثُمَّ يقول: (فلا أستعيذ بغيرك من غيرك) المستعاذ منه واقع بمشيئتك، والمستعاذ به هو صفاتك، إذاً.. لا أستعيذ بغيرك من غيرك (ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك) عندما أستعيذ بك يا ربِ من الشر، فأنا لا أستعيذ بك من شيء صادر من غير مشيئتك وإرادتك، بل هو مما شئته وقضيته وقدرته، فالمرجع كله إليك وإليك المنتهى.