المادة كاملة    
لقد نشأت الشيعة في زمن علي رضي الله عنه، ثم انقسموا بعده إلى ثلاث فرق: المفضلة، والسبابة، والمؤلهة. وقد كان الرافضة القدامى على مذهب التمثيل، ثم جاء الرافضة المتأخرون فتأثروا بمذهب الاعتزال؛ بسبب ما حصل من التلاقي والتلاقح بينهم وبين المعتزلة.
  1. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند فرق الإسلام

     المرفق    
    إن مذهب أهل السنة والجماعة في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يختلف ويباين مذاهب المعتزلة والخوارج، وكذلك المرجئة والروافض.
    فـالروافض لا يرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا الجهاد إلا مع الإمام المعصوم، والمرجئة يرون أن الإيمان محله القلب وأن العمل لا ضرورة له، ولذلك فإنهم يتهاونون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما نشاهد آثاره في عامة الناس، فإذا خوطب أحدهم بأمر أو نهي قال: الإيمان في القلب. فهؤلاء يمثلون طرفاً.
    والطرف الآخر هم الذين جعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ركناً من أركان الدين، وكفروا من تركه، وهم الخوارج والمعتزلة .
    وأما أهل السنة والجماعة فهم وسط في ذلك كما هو شأنهم في جميع أمور العقيدة وقضاياها، فلا يرون إسقاط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تعليقه على موهوم أو معدوم؛ كما هو حال الرافضة والمرجئة، وكذلك لا يرون أن مجرد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخرج من الملة؛ كما هو حال الخوارج والمعتزلة، فهو عندهم من الإيمان الواجب الذي يأثم من تركه، فحكم تاركه حكم مرتكب الكبيرة -هذا الكلام من حيث الجملة- ومرتكب الكبيرة لا يكفر عند أهل السنة والجماعة .
    أما إذا تكلمنا عن فاعل الكبيرة المستحل لها، أو تارك الواجب المعلوم من الدين بالضرورة جاحداً لوجوبه، هذا أمر آخر، وهذا لا شك في كفره، لكن هذه قيود أخرى تضاف إلى أصل المسألة، فلا تحصل الأحكام -وأهمها وأعظمها التكفير- إلا بثبوت الشروط وانتفاء الموانع؛ وذلك لعظم مسألة التكفير، ولذلك فلسنا مع من يكفر بإطلاق ولسنا كذلك مع من يرى أنه غير آثم، وأن الأمر والنهي يسقط بإطلاق.. هذا على سبيل الإجمال، أما لو أتينا إلى التفصيل -وليس هذا مقامه- فلا ريب أن من أقر بالكفر ورضي به، أو استحل منكراً من المنكرات ورضي به -ومن استحلاله أن يرى أن فاعليه على حق، وأنهم يفعلون ما هو حلال- فلا شك أن هذا كافر، وكذلك بالمقابل نقول: من تركه تقصيراً أو إهمالاً أو جهلاً أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون عاصياً بحسب درجة ذلك المنكر، وبحسب درجة ذلك التارك للأمر أو النهي، حيث أن المكلفين تختلف أحوالهم وأوصافهم وأعيانهم في الأمر وفي الشأن الواحد.
    فهذه أحكام تطبيقية تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأماكن.
    أما القول بإطلاق أن المنكرات الآن منتشرة، والناس راضون بها ولا ينكرونها، فهم إذاً كفار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل}، فهذا كلام غير صحيح، وهو من الغلو، وهو مثل القول بإسقاط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما الوارد في الحديث والمقصود منه: هو ما يرتكب من المعاصي الظاهرة، ولا يعني ذلك أن الكفر -وهو المنكر الأكبر- لا ينكر على فاعله، ولا يعني أيضاً أن من أقر الكفر ورضيه لا يكفر، لكن المقصود من الكلام هو المنكرات والمعاصي الظاهرة، وإلا فالبدع هي منكر أكبر من المعاصي الظاهرة، والكفر والشرك أكبر من كليهما، وهكذا.
  2. أصول الدين عند الرافضة المتأخرين

     المرفق    
    قال المصنف رحمه الله:
    [والرافضة المتأخرون جعلوا الأصول أربعة: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة] اهـ.
    الشرح:
    تحدثنا عما ابتدعه المبتدعون في أصول الدين وأساسياته، فـالفلاسفة جعلوا للأصول تفسيراً خاصاً، والمعتزلة جعلوها أصولاً خمسة، وهي التي تحدثنا عن آخرها وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرافضة جعلوا أصول الدين أربعة، لكن أي رافضة هم المعنيون؟ قال رحمه الله: " الرافضة المتأخرون" فهنا وقفتان: الأولى: حول اسم الرافضة؛ من هم؟ وما حقيقتهم؟ والوقفة الثانية: كلمة (المتأخرون) ما مقصوده بها؟
    فنقول: إن الرافضة سموا بذلك لأنهم رفضوا زيد بن علي، ويطلق عليهم الآن اسم الشيعة، فـالشيعة اسم يطلق على طوائف وملل وفرق شتى منها الرافضة .
    1. أصل نشأة الشيعة

      الشيعي هو من شايع علياً رضي الله تعالى عنه، وماذا كانت عقيدة علي رضي الله عنه ومن معه؟ لقد كانت عقيدتهم السنة والتوحيد والحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
      ولقد كان أهل العراق الذين مع علي رضي الله عنه، وأهل الشام الذين مع معاوية رضي الله عنه.. كانوا كلهم على مذهب أهل السنة والجماعة، وعلى الحق، ولا اختلاف بينهم في هذا، وإنما النزاع بينهم في مسألة الطاعة والدخول في البيعة، فكان يقال لمن كان مع علي رضي الله عنه: الشيعة بمعنى أنهم شايعوا علياً أي ناصروه، وليس له أي مفهوم عقائدي.
      ولكن لما ظهرت الخوارج، ظهرت في مقابلها فئة من الشيعة تميزوا بالغلو في علي رضي الله عنه، فكان في القرن الأول إذا قيل: شيعي، أو فيه تشيع، أو من الشيعة، فإنه يطلق بعدة اعتبارات، منها: إطلاقه على من يفضل علياً على عثمان رضي الله عنه، وهذا نجده عند كثير من أهل الرواية، ففي كتب الرجال كـالتقريب، والتهذيب كثيراً ما يقال: كان فلان شيعياً، أو فيه تشيع، بالرغم من أن بعضهم علماء أجلاء، لكن كان فيهم هذا المغمز، وهو أنهم يرون أفضلية علي على عثمان رضي الله عنهما، وهذا الأمر مع أنه هين جداً بالنسبة إلى ما قالته الطوائف الغالية، لكنه عظيم عند السلف الصالح رضوان الله عليهم، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه كلمة عظيمة في هذا، قال: "من فضل علياً على عثمان فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار" أي: جعل عقله أقوم من المهاجرين والأنصار، فأزرى بهم وحط من شأنهم؛ لأنهم أجمعوا -ومعهم علي رضي الله عنه- على بيعة عثمان ؛ فإن أهل الشورى الذين اختارهم الخليفة الراشد العادل عمر رضي الله تعالى عنه، اختاروا عثمان من بين الستة -وكان منهم علي رضي الله عنه- وأجمعت الأمة عليه؛ فمن تجاوز ما أجمعت الأمة عليه بأن فضل علياً على عثمان، فقد أزرى بهم وحط من مقامهم، وادعى أنه أعلم منهم بالرجال، وأعلم منهم بمصلحة الأمة.
    2. طوائف الشيعة

      مع أن اسم الشيعة كان يطلق على هذا المعنى -تفضيل علي على عثمان- إلى القرن الثاني أو الثالث ونحو ذلك عند طائفة من العلماء، وكان هذا هو مرادهم من هذه التسمية؛ إلا أن التتبع التاريخي لفرق الشيعة وأفكارهم يكشف حقيقة هامة.
      ذلك أن الشيعة الذين ظهروا في زمن علي رضي الله عنه، واستمروا بعد ذلك، ثم أصبحوا يدَّعون أنهم الشيعة، وغلب عليهم هذا الاسم، انقسموا إلى ثلاث طوائف بحسب الوصف، وليست منهم الطائفة التي ذكرناها آنفاً.
      فالطائفة الأولى من هذه الطوائف: هي المفضِّلة، وهي تسمية لها بحسب وصفها، كما سماها شيخ الإسلام رحمه الله -وهي التي سميت فيما بعد بـالزيدية- وهم الذين يفضلون علياً على الشيخين أبي بكر وعمر، وهذا هو الاختلاف بينهم وبين أولئك العلماء أو الرواة الذين وصفوا بالتشيع في بادئ الأمر، فإن تشيعهم كان يتمثل في تفضيل علي على عثمان، أما هؤلاء فأهل بدعة واضحة؛ حيث إنهم فضلوا علياً على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم.
      الطائفة الثانية: هم المسمون بـالسبابة ؛ لأنهم لم يكتفوا بأن يفضلوا علياً على أبي بكر وعمر ؛ بل زادوا على ذلك سب الشيخين أبي بكر وعمر، وقد كان شعار الدولة العبيدية الفاطمية: (من شتم وسب فله كيلة وإردب)، فكان الواحد يأخذ من بيت المال بقدر ما يسب الشيخين رضي الله تعالى عنهما، وقد غلوا في السب حتى أصدر الخميني وبعض آيات الضلال دعاء صنمي قريش، جعلوا فيه أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما صنمي قريش، ولعنوهما ولعنوا من والاهما.
      الطائفة الثالثة: المؤلهة، وهم الذين يكفرون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وفي المقابل يؤلهون علياً رضي الله عنه؛ فلذلك سموا بـالمؤلهة.
      فـ الشيعة من جهة علاقتهم بـعلي رضي الله عنه ثلاث طوائف: الأولى: يفضلونه. والثانية: يسبون الشيخين من أجل تفضيله عليهما. والثالثة: يؤلهونه.
      إذاً: الطائفة الثالثة اسمها المؤلهة، وهم الذين ينسبون إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، وهؤلاء هم الزنادقة الذين أحرقهم علي، وقال:
      لما رأيت الأمر أمراً منكراً            أجَّجت ناري ودعوت قنبرا
      وهي الحادثة التي ذكرها الشاعر الآخر بقوله:
      لترم بي المنايا حيث كانت            إذا لم ترم بي في الحفرتين
      ولما حفر، وأوقد النار، وألقاهم فيها، اعترض عليه عبد الله بن عباس رضي الله عنه؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن التعذيب بالنار.
      وقد حكم علي رضي الله عنه على هذه الطوائف الثلاث هو بنفسه: فـالمؤلهة حكم فيهم أنهم كفار مرتدون يحرقون بالنار، وأنفذ فيهم هذا الحكم. والمفضلة حكم فيهم بقوله: [[لا أوتين برجل فضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد الفرية]]، أي: حد القذف، وهو ثمانون جلدة، وورد أيضاً أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم فيمن يفضله على أبي بكر بحد الفرية، فيكون لـعلي رضي الله عنه أيضاً أسوة في عمر .
      والسبابة أراد أن يقتلهم، فغلظ العقوبة عليهم أكثر من المفضلة ؛ لأن جريمتهم أشنع بلا ريب، حتى إنه أراد أن يقتلهم وحكم عليهم بالنفي، والنفي أعظم عقوبة من الجلد. فهذا حكمه رضي الله عنه في هذه الطوائف الثلاث، وسيأتي تفصيل ذلك عند شرح رسالة شيخ الإسلام رحمه الله في حكم الرافضة، وهي في الجزء (28) من الفتاوى .
    3. سبب تسمية الرافضة بهذا الاسم

      أما تسمية الرافضة، فقد ظهرت وشاعت عندما قام زيد بن علي بن الحسين بدعوته؛ فحين دعا إلى الخروج على الدولة الأموية، امتحنه أصحابه -وكان منهم أولئك الغلاة الذين اندسوا منذ زمن علي رضي الله عنه بين الشيعة الدعاة إلى حكم آل البيت- وقالوا له: لا نتبعك إلا إذا كفرت أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- فقال: [[كيف أكفرهما وهما وزيرا جدي؟!]] يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن من كفرهما، فقد ألحق أعظم التهمة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كيف يتخذ وزيرين كافرين؟! وقد كانا أكثر الناس قرباً منه ودنواً واطلاعاً على حال الأمة، وتسييراً لها بعده، فلو أن رجلاً كان لديه وزيران أو مستشاران كافران.. ألا يقدح ذلك في عدالته؟! فقالوا لـزيد بن علي : إذاً نرفضك، فقال: [[رفضتموني]]، فسموا الرافضة، هذا من أوضح ما قيل في سبب التسمية.
      وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: "الرافضة رفضوا الإسلام"، قد يريد بذلك سبب التسمية، وقد يريد أن وصفهم وحالهم هو أنهم في الحقيقة رفضوا الإسلام؛ لأنه لا القرآن ولا السنة ولا شيء من أقوال الصحابة وأفعالهم يشهد لما ذهبوا إليه من تكفير أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فحقيقة الرافضة أنهم رفضوا الإسلام، ورفضوا دعوة زيد، مع أن زيداً تبعته الزيدية وقالوا بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل؛ وعللوا ذلك بأنه كيف يمكن أن يكون أبو بكر وعمر -فضلاً عن عثمان - كفاراً منافقين مرتدين وعلي وزير لهم؟! وكيف يرضى وهو الشجاع الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم أن يكون وزيراً ومستشاراً لصنمي قريش؟! بل إنه يبلغ به الحال إلى أن يزوج عمر ابنته، هذا أمر لا يفعله إنسان مسلم.
      لكن الرافضة ردوا هذا القول بقولهم: إنه فعل هذا الأمر تقية.. فيقال لهم: ما الداعي للتقية؟! وأين الصدع والجهر بالحق؟! وأي تقية تصل إلى حد موالاة الكفار وتزويج المسلمة من الكافر؟!
      إن هذا الأمر وصمة عار تبين بطلان قول الشيعة جميعاً، فـالزيدية تخلصوا من هذا الإشكال بقولهم: إن الأحق بالإمامة هو علي، وإمامة أبي بكر وعمر صحيحة، وذلك لأنه تجوز إمامة المفضول مع وجود الفاضل. وقالوا: حتى الآن لو بايع المسلمون خليفة مع وجود الأفضل، فإن البيعة تتم للمفضول وتستقر الأمور مع وجود الفاضل.
    4. تأثر الرافضة المتأخرين بعقيدة المعتزلة

      قال المصنف رحمه الله: [والرافضة المتأخرون] فأورد قيداً هنا وهو قوله: (المتأخرون) ذكر المتأخرين؛ لأن الرافضة القدامى كانوا على مذهب التمثيل، فإذا قيل: هذا رافضي، فالأصل في عقيدته أنه من أهل التمثيل والتشبيه، ومنهم هشام بن الحكم الرافضي الذي هو عنوان لأهل التمثيل الذين يقولون: إن الله تبارك وتعالى مثل المخلوقين -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وسبب التمثيل عند الرافضة : هو أن أصل دينهم مأخوذ عن اليهودية، والتوراة المحرفة فيها تمثيل لله تعالى بخلقه، وقد قام عبد الله بن سبأ بنقل ما في التوراة المحرفة، ثم أخذته عنه الرافضة، وجاء هشام بن الحكم وأمثاله، فكانوا على هذا المذهب المنحرف الخبيث، ثم تحولت الرافضة إلى العدل والتوحيد -أي: إلى الاعتزال- في القرن الرابع تقريباً، لأنه في آخر القرن الثالث كانت فتنة القول بخلق القرآن، ثم نصر الله تبارك وتعالى السنة وأهلها، وأظهر الله الإمام أحمد رحمه الله على أعدائه، فعمت السنة العالم، فانحاز أعداء السنة وتقوقعوا وتجمعوا، وحصل بينهم التلاقح والتلاقي الفكري، فانضم الرافضي إلى المعتزلي، وتكتلت طوائف الشيعة مثل: الضرارية، والنجارية، والبكرية، وغيرها من الطوائف ممن كانت لهم صولة وجولة في أيام المأمون، وناظروا الإمام أحمد رضي الله عنه.
      ولذلك فإن الزيدية الموجودة اليوم في اليمن نجد أنهم في العقيدة معتزلة، فمن أين جاء الاعتزال على الرغم من أن زيداً كان من أهل السنة ؟!
      وكذلك ظهر الاعتزال في الجعفرية الإثني عشرية في إيران ولبنان وغيرها.
      فهناك قاسم مشترك بين الزيدية والإمامية وهو عقيدة الاعتزال، مع اختلافهم في مسألة الخلافة، فإن الزيدية لهم مذهب وأولئك لهم مذهب، ويختلفون كذلك في التقية، فـالزيدية لا تقول بالتقية، بل تجهر بما عندها وتقاتل عليه علناً، أما أولئك فالتقية مذهبهم..
      ومعرفة هذه الفروق يقودنا إلى معرفة حقيقة هذه الفرق والتمييز بينها، فلما التقت هذه الطوائف وتلاقحت أفكارها وآراؤها، أصبحت العقائد الرافضية عقائد اعتزالية.
      ولذلك لما ألف ابن المطهر كتابه الذي سماه منهاج الكرامة، رد عليه شيخ الإسلام رحمه الله بكتاب منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، والقدرية إذا أطلقت قصد بها المعتزلة -وإن كان قد ضل في القدر طوائف كثيرة- وقد أتى صاحب منهاج الكرامة بأدلة عقلية على منهج المعتزلة، ونقلية على طريقة الروافض في اختلاق الأخبار أو في تأويلها بما يوافق ضلالهم، فرد عليه شيخ الإسلام .
      فأصبحت عقيدة الرافضة والمعتزلة في أصل العدل والتوحيد واحدة، أو شبه واحدة، فمعنى التوحيد عند المعتزلة : نفي الصفات، وبمعنى العدل: نفي القدر، وكذلك هو نفس المعنى عند الرافضة .
  3. الإمامة أصل اعتقاد الرافضة الإثني عشرية

     المرفق    
    أصل الدين عند هؤلاء الشيعة الإمامية الإثني عشرية الرافضة الموجودين اليوم، وأصل كل الأصول عندهم هو الإمامة وما يتعلق بالإمام؛ فكل العبادات والعقائد والأعمال والدعوة مرتبطة بالإمامة، فما من شيء عندهم إلا ويتفرع عن الإمامة.
    وهناك كتاب يتناول هذا الموضوع بالتفصيل وهو: أثر الإمامة في الفقه الجعفري، وهو مفيد جداً في معرفة الشيعة وخاصة ارتباط عقائدهم بالإمامة، لمؤلفه الدكتور علي السالوس، فقد جمع فيه كلامهم في هذه المسألة.
    وسوف نأتي بمصادرهم المعتبرة عندهم، وننقل كلامهم في هذا الموضوع، وسنأخذ كتاباً من تأليف الخميني، ولن نقدم عليه كتاباً غيره؛ لأننا لو قلنا: قال النوبختي، وقال فلان من أئمتهم، لقيل لنا: هذه عقائد الشيعة المتقدمين، أما الشيعة اليوم، فهم معتدلون ومتفاهمون ومتقاربون، وإن جئنا بكتاب من كتب المعاصرين، قالوا: هذا لا يمثل حقيقة الشيعة؛ وقد أخطأ في فهم كلامهم، أو فهم كلامهم خطأً.
    أما الخميني فهو حجة المعاصرين منهم، وهو ينقل عن الأولين بنفسه، ويقر ذلك النقل ويشرحه في كتبه.
    ونحن حين ننقل كلامه وننقده، لا نكون قد تجنينا عليهم أو ظلمناهم، ولن يستطيع أحد منهم أن يدعي ذلك علينا.
    ونحن على كل حال لا نظلم أحداً، لكننا زيادة في قطع ألسنتهم، وإقامة الحجة عليهم ننقل كتاب إمامهم الأعظم.
    والمسألة عندنا لا تتعلق بهذا الرجل لذاته لكونه فقيهاً أو زعيماً، وإنما نحن نقيم الحجة العلمية، ونرد الشبهة بالبرهان العلمي، فالمسألة مسألة بحث علمي، وسواء كان الرجل حياً أو ميتاً، زعيماً أو غير زعيم، فهو يخضع للمقاييس العلمية التي ينظر بها إلى أي إنسان كائناً من كان، وكل يؤخذ من قوله ويرد -في منهجنا أهل السنة - إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك فسنأخذ كلامه ضمن المعايير العلمية المجردة، وبعد ذلك سنجد آثار هذا الضلال -بل الكفر- في حياة هذا الرجل وفي دعوته وفي ثورته، وفي حياة أتباعه وأعمالهم، والذي يهمنا من ذلك هو ما قاله في حق الله تعالى وفي حق رسوله صلى الله عليه وسلم وفي حق هذا الدين.
    وعنوان هذا الكتاب: مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية، تأليف سماحة آية الله العظمى الإمام الخميني دامت بركاته، قدم له السيد أحمد، طبع مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان، كافة الحقوق محفوظة ومسجلة، الطبعة الأولى (1403هـ- 1983م) أي بعد الثورة، وبعد أن أصبح زعيم الرافضة في العالم.
    1. تأثر الخميني بكلام الفلاسفة والحلولية والاتحادية في إثباته للإمامة

      قيل الدخول في مناقشة أقوال الخميني في الكتاب، نورد ما ذكره المصنف رحمه الله من أقوال الفلاسفة في النبوة حيث قال:
      "والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص:
      قوة الإدراك وسرعته، لينال العلم أعظم مما يناله غيره.
      وقوة النفس، ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة.
      وقوة التخييل، ليخيِّل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، وترى وتخاطب الرسول".
      وقد أتى الخميني في بداية كتابه بكلام مبني على كلام الفلاسفة وأصحاب وحدة الوجود، ثم بدأ بعد ذلك بالحديث عن الإمامة وبيان أهميتها عندهم.
      يقول الخميني في المصباح : "وإذا انكشف على سرك أن هذه الحقيقة الغيبية أجل من أن ينال بحضرتها أيدي الخائضين، ويستفيض من جناب قدسها أحد من المستفيضين، ولم يكن واحد من الأسماء والصفات بما لهما من التعينات محرم سرها، ولم يؤذن لأحد من المذكورات دخول خدرها، فلابد لظهور الأسماء وبروزها، وكشف أسرار كنوزها من خليفة إلهية غيبية".
      يعني: دمنا قد اتضح لدينا أن حقيقة الذات الإلهية لا يمكن أن تنال ولا يطلع عليها أحد، ولا يكتشف صفاتها أحد...إلخ، فلما كان كذلك فلابد لظهور الأسماء" أي: أسماء الله تعالى "وبروزها، وكشف أسرارها وكنوزها، من خليفة إلهية غيبية، يستخلف عنها حبه في الأسماء، وينعكس نورها في تلك المرايا، حتى تنفتح أبواب البركات، وتنشق عيون الخيرات، وينفلق الصبح الأزل، ويتصل الآخر بالأول"، إذاً لابد من واسطة بين هذه الحقيقة الغيبية، وهي الذات الإلهية وبين الموجودات والكائنات، وهذه الحقيقة التي يصفها بأنها بروز وظهور وتجلي للأسماء والصفات الإلهية، التي ذكر منها الرحمن والرحيم والاسم الأعظم، حتى يتم الاتصال بالعالم، وهو قوله: "ويتصل الآخر بالأول"، ثم يقول: "فصدر الأمر باللسان الغيبي من مصدر الغيب على الحجاب الأكبر، والفيض الأقدس الأنور، بالظهور في ملابس الأسماء والصفات، ولبس كسوة التعينات"، التعينات: هو وجود الأعيان، أي: وجود الشيء المعين -هذه سماء وهذه أرض- "فأطاع أمره وأنفذ رأيه" الذي كان حجاباً قدسياً أصبح تعينات خارجية، وهي تعينات للأسماء والصفات الإلهية.
      يقول: "هذه الخليفة الإلهية، والحقيقة القدسية التي هي أصل الظهور، لابد وأن يكون لها وجه غيبي إلى الهوية الغيبية، ولا تظهر بذلك الوجه أبداً" أي لها وجهان: وجه غيبي يتعلق بالذات الإلهية، ولا يظهر بهذا الوجه أبداً في الواقع "ووجه إلى عالم الأسماء والصفات يتجلى فيها ويظهر في مراياها في الحضرة الواحدية الجمعية"، وكما هو معلوم عند أصحاب وحدة الوجود أن الموجود هو عين الخالق، والخالق عين المخلوق، وقد قال ابن عربي -وكلام الخميني هنا مثل كلامه- عندما قرأ : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] قال: (كيف استوى وما ثم إلا هو؟) بمعنى: أن الله هو العرش وهو المستوي، وأن العبد رب والرب عبد -تعالى الله عما يصفون- وقد اتفق على كفر أصحاب هذا القول جميع أهل الملل من اليهود والنصارى، وغيرهم من أهل الأديان.
      يقول: "مصباح؛ أول ما يستفيض من حضرة الفيض والخليفة الكبرى حضرة الاسم الأعظم" -أي أن اسم الله- فيض من الأسماء والصفات، "بحسب مقام تعينه باستجماع جميع الأسماء والصفات، وظهوره في جميع المظاهر والآيات"، أي أن أول اسم من الأسماء يظهر في هذا الحجاب أو الروح القدسية هو اسم الله -تعالى الله عما يصفون- وتتعين فيه الحقيقة الذاتية الغيبية "فإن التعين الأول للحقيقة اللامتعينة هو كل التعينات والظهورات، ولا يرتبط واحد من الأسماء والصفات بهذا الفيض الأقدس إلا بتوسط الاسم الأعظم" أي أن: الاسم الأعظم هو الواسطة بين الأسماء وبين هذه الحضرة، والحضرة بينهما وبين الذات القدسية... ثم يضرب مثلاً فيقول: "أول ما ظهر من مظاهر الاسم الأعظم مقام الرحمانية والرحيمية"، أي: ظهر من الاسم الأعظم (الله) أسماء، يقول: "مقام الرحمانية والرحيمية الذاتيتين، وهما من الأسماء الجمالية" فالأسماء عندهم جلالية وجمالية وغير ذلك، "الشاملة على كل الأسماء، ولهذا سبقت رحمته غضبه، وبعدهما الأسماء الأخر من الأسماء الجلالية بحسب مقاماتها" ثم يقول: "مصباح، هذه الخلافة هي الخلافة في الظهور والإفاضة والتعين بالأسماء، والاتصاف بالصفات من الجمال والجلال لاستهلاك التعينات الصفاتية والأسمائية في الحضرة المستخلف عنه، وانتفاء كل العلميات في مقام عينه، وعدم الحكم لواحد منها وعدم الظهور لها، فهذه الخليفة الإلهية ظاهرة في جميع المرايا الأسمائية، منعكسة نورها فيها حسب قبول المرآة واستعدادها، سارية فيها سريان النفس في قواها، متعينة بتعيناتها".
      ثم يقول بعد هذا الكلام: "اعلم أيها الخليل الروحاني وفقك الله لمرضاته، وجعلنا وإياك من أصحاب شهود أسمائه وصفاته: أن هذه الخلافة من أعظم شئونات الإلهية، وأكرم مقامات الربوبية، وباب أبواب الظهور والوجود، ومفتاح مفاتيح الغيب والشهود، وهي مقام العندية التي فيها مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو، بها ظهرت الأسماء بعد بطونها، وضربت الصفات غب كمونها، وهذه هي الحجاب الأعظم الذي يعدم عنده كل صغير وكبير، ويستهلك لدى حضرته كل غني وفقير، وهذه القضاء اللايتناهى الذي فوق العرش الذي لا خلاء فيه ولا ملأ، وهذه سبحات وجهه التي لو كشفت الحجب النورانية والظلمانية لأحرقت ما انتهى إليه بصره، فسبحانه ما أعظم قدره، وأجل شأنه، وأكرم وجهه، وأرفع سلطانه، سبوح قدوس رب السماوات الأسمائية والأراضي الخلقية" وهذه كلها تأويلات، إلى أن يقول: "فيا عجباً للخفاش يريد أن يمدح شمس الشموس الطالعة، وحرباء يصف البيضاء القاهرة الساطعة"
      إن هذا الكلام مثل:
      ما وحد الواحد من واحد إذ كل من وحده جاحد
      توحيد من ينطق عن نعته عارية أبطلها الواحد
      توحيده إياه توحيده ونعت من ينعته لاحد
      هذا هو مقصوده.. أي: من الذي يستطيع أن يصف الله وأن يسميه؟ يقول: إن الذي يريد أن يصف الله مثل الخفاش عندما يريد أن يصف الشمس، ولهذا لا يصفون الله تعالى بشيء، وهذه من العجائب! فـالخميني ليس فقط معتزلياً، بل هو أيضاً من أصحاب الفلسفة الإشراقية التي كان عليها ابن عربي وأمثاله، فقد غلا هؤلاء الفلاسفة حتى إن المعتزلة كفروهم؛ لأن هؤلاء الفلاسفة يقولون: إن الله لا يوصف بشيء، وإن من حاول وصف الله أو تسميته، فإنما مثله كالخفاش الذي يحاول أن يمدح الشمس.
    2. اشتراك الشيعة والصوفية في اعتقاد أن الحقيقة المحمدية هي أصل كل الموجودات

      وقبل أن نبدأ بسرد كلامه في الحقيقة المحمدية، فإن هناك حقيقة يجب أن نتنبه لها، وهي أن الصوفية والشيعة كلتاهما تنطلقان من هذه النقطة التي هي كفر بواح.
      يقول: "هذه الخلافة هي روح الخلافة المحمدية، وربها وأصلها ومبدؤها، منها بدأ أصل الخلافة في العوالم كلها، بل أصل الخلافة والخليفة والمستخلف إليه، وهذه ظهرت تمام الظهور في حضرة اسم الله الأعظم، رب الحقيقة المطلقة المحمدية، أصل الحقائق الكلية الإلهية، فهي أصل الخلافة، والخلافة ظهورها بل هي الظاهرة بهذه الحضرة باتحاد الظاهر والمبدع كما أشار إليه في الوحي الإلهي إشارة لطيفة في قوله تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ))[القدر:1]، وقال شيخنا" وهنا ينقل الخميني عن شيوخه حتى لا يقال: إن المتقدين من الرافضة غير المتأخرين "وقال شيخنا وأستاذنا في المعارف الإلهية الكامل المرزا محمد علي الشاه آبادي الأصفهاني أدام الله بركاته، في أول مجلس تشرفت بحضوره، وسألته عن كيفية الوحي الإلهي".
      الخميني في أول جلسة عند هذا الشيطان الأصفهاني، سأله عن كيفية الوحي الإلهي.
      يقول الخميني ناقلاً جواب شيخه: فقال في ضمن بياناته: إن الهاء في قوله تعالى: ((إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ)) إشارة إلى الحقيقة الغيبية النازلة في بنية المحمدية التي هي حقيقة ليلة القدر".
      وهذا تفسير باطني صرف، وليس إشارياً، فإن التفسير الإشاري هو تفسير الصوفية، والتفسير الباطني شر دركات الكفر.
      وعند الصوفية والشيعة أن الحقيقة المحمدية أصل جميع الموجودات، فإن من طقوسهم أنهم يقرءون مولد الميرغني كلما جاء ربيع الأول، فيجتمعون على الموائد والولائم ثم يقرءونه، وفيه: أن أول الموجودات وأول المخلوقات هي الذات المحمدية، هو نور محمد، كما جاء في الحديث الموضوع الذي رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر }، فأخذوا هذه الكلمة، وأدخلوا فيها كلاماً فلسفياً -وسيأتي نقل الخميني لكلام أرسطو - فهو كلام كفار فلاسفة اليونان الذين عرضنا كفرهم فيما مضى، فهم ما وضعوا هذه الأحاديث إلا ليدللوا بها على كلام أولئك الكفار من اليونان.
      والباطنية إنجيلهم المعتمد عندهم هو كتاب رسائل إخوان الصفا، وهذا الكلام هو مقتضى ما في كتاب رسائل إخوان الصفا ويكاد يكون بالنص في بعض الأمور، وهو عين كلام كفار فلاسفة اليونان، ثم جاء الخميني وأخذه منهم.
      والصوفية والشيعة يلتقيان عنده.
      فأول المخلوقات والواسطة -الذي يقابل العقل الفعال عند الفلاسفة - بين الخلق وبين الذات وبين الصفات أيضاً ومظهر صفات الله هو الحقيقة المحمدية تعالى الله عما يصفون.
      وهذا يتضح أكثر عند النصارى، فعندما تسمع كلامهم في إذاعة الإنجيل حين يقولون: الرب جاء، والرب أمر... فمن يعنون بهذا الرب؟ إنهم يعنون به المسيح عيسى، أما الرب الذي فوق العرش والذي خلق المسيح فلا يتعرضون له... لماذا؟ يقولون: لأن الرب تعين في المسيح وحل فيه، وحقيقة الرب هو وجود الشخص المجسد، وقد تجسد الرب في شكل عيسى، أو كما يقولون: حل اللاهوت في الناسوت.
      وفي مقابلهم قام هؤلاء الصوفية والشيعة، وأثبتوا الحقيقة المحمدية، فهم يقولون أن الله حل أو تجسدت حقيقته وذاته في محمد صلى الله عليه وسلم، ومن هنا فالحقيقة المحمدية عندهم هي أصل الكائنات وأول الموجودات، وهي الخليفة المستخلفة، وهي مظهر وتجلي أسماء الله وصفاته، ثم بعد ذلك يتفرع عنها الخليفة الذي هو خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الوصي عندهم، وهو علي، ثم من بعده من الأوصياء.
      وبهذا نستطيع أن نفهم لماذا يقولون: إن الأئمة يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما يكون، وهم الذين يدبرون الكون؛ لأن أصل القضية عندهم يبدأ من هذه الحقيقة المحمدية، ونحن بمعرفتنا لهذه البدايات عندهم، فإننا سنعرف يقيناً أي عقيدة يدين بها هؤلاء الذين يخدع بهم البعض منا، ويقولون: إن الفرق بيننا وبينهم فقط أنهم يفضلون ويحبون علياً، ونحن نحب أبا بكر وهذا مما لا ينبغي أن يقع فيه أحد ممن ينتسب إلى أهل السنة والجماعة.