إن كل إنسان في أي بيئة وجد فيها يولد عَلَى الإسلام الذي بعث به الرسل، وبيَّن ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين ضرب لأصحابه ما كانت تفعله العرب، كانوا إذا أنتجت الدابة من الإبل أو البقر أو الغنم يقطعون أذنها أو يَسِمُونها بعلامات -كما هو معروف إِلَى الآن- وهذه العلامات تبين انتماء هذه الدابة لصاحبها، لكن التي تولد ولا تكون عليها علامة أبداً، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء هل ترون فيها من جدعاء} فكل مولود يولد عَلَى هذه الملةِ، كالصفحة البيضاء النقية التي لو تركت وحدها لما عرفت إلاّ توحيد الله ولم تنحرف عنه إِلَى الشرك، لكن يأتي من يجعل لها انتماء إِلَى أي دين، أو إِلَى أي ملة.
فالتربية أو المجتمع يهودان أو ينصران أو يمجسان، أو عَلَى أي مذهب من المذاهب، لكن هذا لا يلغي الحقيقة، لأنها حقيقة أزلية أخبر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنها بقوله: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّم))[الروم:30] هذا هو الدين القيم، ولا يستطيع أحد أن يبدله ولا يمكن أبداً أن يولد مولود إلاّ عَلَى هذا الدين القويم، ولكن حكمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في أن جعل النفس البشرية تتأثر وتقبل التغيير.

ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله تَعَالَى في مسألة أطفال الْمُشْرِكِينَ إذا ماتوا، هل يكونون من أصحاب الجنة أم لا؟ وهل يمتحنون أم لا؟ عَلَى أقوال معروفة ليس هذا مجالها، إنما المقصود أن هَؤُلاءِ الأطفال يولدون عَلَى الإسلام، وأن الذي يصرفهم عن ذلك هي التربية أو المجتمع من الأحبار، أو الرهبان، أو الكهان، أو ما أشبه ذلك من الصوارف.