المادة كاملة    
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضوابط تتعلق بالموازنة بين المصالح والمفاسد المترتبة على الأمر والنهي، وهناك شروط وقواعد وآداب لابد من مراعاتها؛ حتى يتم هذا الأمر بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد.
  1. الفرق بين الأفراد والنوع في الأمر والنهي

     المرفق    
    يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقاً وينهى عن المنكر مطلقاً".
    من جهة الأعيان والأفراد لا ينكر المنكر، ولا يؤمر بالمعروف أمام إنسان معين أو طائفة معينة إلا بشروط معينة.
    أما من حيث النوع فيؤمر بالمعروف مطلقاً، بأن يبين أن الله شرع كذا وأنه أمر بكذا، وينهى كذلك عن المنكر مطلقاً بأن يبين أن الله حرم كذا ونهى عن كذا، فمن حيث النوع لا نحتاج إلى الشروط المذكورة في الإنكار على الأشخاص.
    فإذا علمت أن فلاناً من أكلة الربا، فكيف تنكر على هذا الشخص؟ هنا تفكر وتوازن بين المصالح والمفاسد، وتبحث هذا الموضوع حتى تؤديه على أفضل وجه، لكن حين تريد النهي عن الربا مطلقاً، فإنه إذا كان الوقت مناسباً والمستمع مهيأً، فإنك تتكلم وتقول ما شئت مما قال الله ورسوله، فتنهى عنه مطلقاً.
    ولهذا كثيراً ما يلجأ عند الكلام على الأفراد أو الأعيان إلى الكلام في النوع، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما بال أقوام).
    ولكن ليس ذلك على إطلاقه؛ فقد يقال: إن فلاناً وفلاناً فعلا كذا وكذا؛ فيذكرهم المنكر عليهم بأعيانهم.. ولا مانع من ذلك، وقد فعل الرسول ذلك في مواقف كثيرة، بل لعن أقواماً وقنت عليهم في الصلاة بأعيانهم.
    وأحياناً يكون الكلام في النوع، فتقول: بعض الناس يفعل كذا؛ لأنك تريد أن تبين للناس هذا النوع من المعصية كنوع، أو هذا النوع من المنكر الذي فعل أو من المعروف الذي أهمل، فتقول لهم: قال الله.. وقال رسوله.. فالحديث حينئذ يكون عاماً.
  2. العدل منهج قرآني

     المرفق    
    يقول رحمه الله: "وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها، ويحمد محمودها ويذم مذمومها؛ بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات أكثر منه أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه" لا بد من العدل، لأن ديننا دين العدل؛ لأنه به قامت السماوات والأرض، وإن لم يعدل المسلمون فمن يعدل؟! وإن لم يعدل أهل السنة فمن يعدل من الطوائف؟!
    فأولى الناس بالعدل هم أولئك الذين قال الله لهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ))[المائدة:8] وفي الآية الأخرى: ((كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ))[النساء:135] فلا بد من الشهادة لله والقيام بالقسط في جميع الأمور، ولا بد من ضبط الميزان؛ قال تعالى: ((وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ))[الرحمن:9].
    ولا يجوز أن يكون في الإنسان صفة التطفيف، فالمطففون ذمهم الله وعابهم.
    ومع أن النهي الوارد في القرآن عن التطفيف نزل بخصوص التطفيف في المكيال والميزان المعروف عند الناس، إلا أنه يدخل فيه التطفيف في وزن الناس: الأفراد أو الطوائف، فلا بد أن يكون للإنسان ميزان واحد، بعض الناس إذا رضي قال خير ما يعلم، وإذا غضب قال شر ما يعلم، وهذا ليس ميزاناً عادلاً، ولذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه كلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الغنى والفقر.
    ويجب على المسلم أن يكون عادلاً ولو في حق ذي قربى؛ قال تعالى:: ((وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى))[الأنعام:152] وهذه الوصية هي من الوصايا العشر.
    ومن أساسيات هذا الدين العدل وعدم التطفيف: ((وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ))[الأعراف:85].
    والبخس ليس أن يقتطع الإنسان شيئاً من أموال الناس أو من كيلهم ووزنهم فحسب؛ بل إن من بخس الناس أشياءهم أن تعلم أن في إنسان ما خيراً وتقول: فعل كذا وكذا من المنكرات.! قد تكون صادقاً أنه فعل ما يذم عليه، لكنك أغفلت ما يحمد عليه ويمدح به، ولا نقصد أن يقول الإنسان في كل وقت كل ما يعلم؛ بل إننا نقصد أنه عند وجود المقتضي والداعي للتقويم وللوزن، فعلى الإنسان عندها أن يزن بالحق وبالقسطاس المستقيم.
    أما إذا رأيت إنساناً فيه فضيلة، لكنه فعل ما يُلام عليه، فلمته ولم تذكر فضيلته، فإنه غالباً لا يقبل منك إنكارك عليه وعيبك وذمك له بأنه لم يفعل ذلك المعروف؛ لأنك أغفلت الفضيلة.
    ولو قلت: أنت فعلت كذا وكان حقاً، وفعلت كذا وكان غلطاً، لوجد نفسه ملزماً بذلك، وتكون قد أقمت عليه الحجة، فإن أنكر بعد ذلك وكابر، فإنه في قرارة نفسه يعلم أنك أنصفت ولم تظلم.
    التطفيف والطغيان في الميزان هو من أعظم الغش، وليس الغش محصوراً في الطعام، وإن كان ذلك هو سبب ورود الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن الغش؛ فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أدخل يده في الطعام، ووجد في أسفله بللاً، فقال: {ما هذا يا صاحب الطعام؟! من غش فليس منا} وفي رواية: {من غشنا فليس منا}....
    إن من غشنا في ديننا، ولبس علينا أحكام شرعنا، فجعل الحلال حراماً والحرام حلالاً؛ هو بلا ريب أغش من ذلك الذي غشنا في الطعام؛ إذ بالغش في الطعام قد تسقم الأبدان، لكن بالغش في الدين تمرض القلوب والأديان، والدين هو أغلى من كل شيء.
    يجب أن يكون العدل هو المعيار والميزان في تقويم الأفراد والجماعات؛ كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: الفاعل الواحد والطائفة الواحدة ينهى عن منكرها، ويحمد محمودها، ويذم مذمومها.
    فلا نجعل المعتزلة كلهم سواءً؛ فإنهم -أي المعتزلة- مختلفون؛ فمنهم من كان ذا عبادة واجتهاد، ومنهم من كان ماجناً فاسقاً لا يصحو من الشراب؛ فلابد أن نبين ما في هذا وما في هذا، مع أن بدعتهم في الأصول الخمسة سواء، لكن لا بد أن يقال: ذاك فيه كذا، وهذا فيه كذا.
    وكذلك الصوفية وغيرهم من الفرق.
    فأي إنسان كان منتمياً إلى طائفة أو نحلة، وله شيء من الخير والفضل، فلا بد عند الحديث عنه من ذكر ذلك الخير والفضل الذي فيه.
    هذا كتاب الله بين أيدينا قد ذكر الله فيه شنائع أضل أمة؛ وهي الأمة الغضبية؛ اليهود قبحهم الله؛ ومع ذلك قال: ((وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ))[آل عمران:75] فمنهم أناس أمناء، ((وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ))[آل عمران:75] وأين الدينار من القنطار؟! فهناك أمين وهناك خائن؛ هذا موجود وهذا موجود.
    وقال تعالى عن أهل الكتاب أيضاً: ((لَيْسُوا سَوَاءً))[آل عمران:113] فهم من حيث التعامل والصفات الفردية والمزايا الشخصية وما إلى ذلك ليسوا سواءً، وإن كانوا جميعاً كفاراً، فالمعايير المطلقة نقولها بإطلاق، لكن عند ذكر المزايا الشخصية التي يختص بها فرد أو طائفة يقال: هذا غير ذلك، كما أنك قد ترى أن الكاثوليك في بعض الأشياء عندهم مزية ليست عند البروتستانت والأرثوذكس، وكلهم نصارى، فيعطى هؤلاء قدرهم وهؤلاء قدرهم، وهذا هو دين الله وشرعه تعالى.
    يقول رحمه الله: "وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن حتى يتبين له الحق" أي: إذا لم يعرف الإنسانُ الممدوحَ من المذموم، ولم يستطع أن يعرف المنكر من المعروف، فعليه أن يستبين حتى يتبين له الحق، فلا ينطق ولا يقل إلا الحق "فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية، وإذا تركها كان عاصياً، فترك الأمر الواجب معصية، وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية، وهذا باب واسع، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
  3. المنهج النبوي في الموازنة بين المصالح والمفاسد

     المرفق    
    أخذ رحمه الله يمثل لهذا الأصل الواضح؛ يقول: "ومن هذا الباب إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن أبي وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان".
    وقد قال عنه سعد: (قد جئت يا رسول الله وإنهم لينظمون له الخرز ليتوجوه) فكان أهل المدينة على وشك أن ينصبوه ملكاً على المدينة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وكان في قدومه تحطيم للأصنام والطواغيت من طواغيت اليهود ومشركي العرب؛ فأضمر الكفر وأظهر الإسلام، وأخذ يكيد للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ومع ذلك أقره النبي صلى الله عليه وسلم.
    وما أشد نكاية ابن أبي وصنعه..!
    ومن ذلك موقفه الشنيع في حادثة الإفك؛ فهو الذي تولى كبره.
    يقول شيخ الإسلام عن عبد الله بن أبي: "فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه"
    وكثيرة هي العبر من موقف النبي صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن أبي ابن سلول؛ فهذا الرجل إن سالمه النبي صلى الله عليه وسلم كسبت الدعوة أولئك الأتباع الذين يرون في هذا الرجل الأهلية للملك، لولا أن جاء من هو أفضل منه، وسكت عبد الله بن أبي لأنه لا يستطيع أن يعارض هذا القادم وهو رسول الله.
    وكان عبد الله بن أبي في كل جمعة يقوم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخطب الناس ويقول: أيها الناس إنكم كنتم فقراء فأغناكم الله، وكنتم أذلة فأعزكم الله، فاتبعوا هذا الرسول.
    يثني على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لعله يوماً ما تقتل قريش النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون له الملك من بعده، وهذا هو ظن السوء الذي يظنه المنافقون في كل زمان ومكان؛ يظنون أن الدعوة سيقضى عليها وستموت.
    فصبر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أتباع ابن أبي يقولون: هذا قائدنا وزعيمنا يحث على الدين وعلى الإسلام، وعلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخذ هؤلاء يدخلون في دين الله تعالى.
    فـعبد الله بن أبي يقول الكلام نفاقاً لا حقيقة، ولكن الأتباع يسمعونه على أنه حق وصدق، فيدخلون في الدين.
    ولذلك لما جاء يوم أحد استشاره النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نبقى في المدينة، فإذا قدموا علينا رميناهم من فوق الأسطح وقاتلناهم في الطرقات، وقال الشباب: بل نخرج كما خرجنا في يوم بدر .
    والموضوع الذي استشاره فيه الرسول صلى الله عليه وسلم في موضوع خطير جداً يتعلق بحماية المدينة، وقتال هؤلاء المشركين.
    وإن لم يؤخذ بعد ذلك؛ فالشاهد أنه استشير وسُمِع كلامه، وكأن الأمر يهمه ويعنيه، لأنه إذا خرج سيخرج معه قوم، وإذا انسل سينسل معه قوم؛ لأن هناك من يتبع هذا الرجل على ظاهره، ولا يعلم ماذا يخبئ في نفسه من النفاق، فالنبي صلى الله عليه وسلم قارن بين المصلحتين أيهما أرجح.
    كذلك قال صلى الله عليه وسلم: {لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه} سينفر الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه، فقبائل غطفان وبنو تميم وثقيف وغيرهم ممن في الجزيرة قد سمعوا بهذا الرجل وأنه كان زعيم الأنصار، وأنه دخل في دين محمد، ولا يعلمون أنه منافق، ولا يعلمون الفرق بين منافق وغير منافق، هم كفار سمعوا أنه دخل في الإسلام، وأنه كان عظيماً في قومه، فكيف إذا سمعوا بعد ذلك أن محمداً قتله؟!
    إنَّ قتله سيجعل زعماء القبائل لا يقدمون على الإسلام، ولا يأمنون جانب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا سمعوا أن من دخل في دينه يكرم ويعزز وتكون له المنزلة، فإنهم سيقبلون على هذا الدين، كما كتب الوليد بن الوليد إلى أخيه خالد يقول: إن رسول الله ذكرك، وقال: أبطأ علينا خالد، فيحدث خالد نفسه: إذاً لو أسلمت لكان لي عند هذا الرجل منزلة ومكانة؛ فيأتي ويسلم، ويكون قائداً في فتح مكة، فحين يشعر الناس أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم لن يضيع أهل الشأن، بل سوف يجعلهم في مراتبهم ومنازلهم، فإنهم يسارعون إلى الإسلام؛ بخلاف ما لو تسامعوا أنه يقتل أصحابه، ويقتل زعماء الأقوام الذين يدخلون في دينه، فإنهم عند ذلك سينفرون.
    فالمصلحة موجودة، والمفسدة أيضاً موجودة، وهي وجود هذا المنافق.
    وما أدى إليه نفاقه من الأضرار والمصائب معلوم، لكن أي المصلحتين كانت أرجح؟! كانت المصلحة في بقائه أرجح من قتله.
    يقول: "ولهذا لما خاطب الناس في قصة الإفك بما خاطبهم به واعتذر منه، وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه، حمي له سعد بن عبادة مع حسن إيمانه" فلهذا الرجل أنوف ترم، وحمية تثور، فلما كانت قصة الإفك الذي تولى كبره ابن أبي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من يعذرني في رجل افترى على أهل بيتي} وكان الموقف المفترض أن يقتله أي إنسان فضلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قال سعد بن معاذ كلمته المشهورة قام سعد بن عبادة قال: والله لا تفعل -لأنه من الخزرج- فقال له أسيد بن حضير ابن عم سعد بن معاذ: أنت منافق.
    فإذا كان هذا الرجل -وهو سعد بن عبادة - ليس من المنافقين، بل من السابقين إلى الإسلام، ومع ذلك قد دافع عن أحد المنافقين، فكيف بالمنافقين وبالقبيلة؟! ستصبح المدينة حزبين متحاربين، حزباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخر مع عبد الله بن أبي الذي كان يلحن بما يدل على ما في قلبه من البغض والكراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مثل قصة تأذيه من مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى أقوام مسلمين ومشركين كانوا معه بحماره، ومثل قوله: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها منا، حتى وقف له ابنه بباب المدينة، وأقسم: لا يدخلها إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الحوادث التي يظهر فيها نفاقه، ويصل بها شره إلى الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، لكن مع ذلك كانت المصلحة الراجحة في الإبقاء عليه.
  4. وجوب إنكار المنكر بالقلب

     المرفق    
    ثم أخذ شيخ الإسلام رحمه الله يبين كيف يكون الإنكار بالقلب والجوارح؛ يقول: "وأصل هذا أن تكون محبة الإنسان للمعروف وبغضه للمنكر وإرادته لهذا وكراهته لهذا موافقة لحب الله وبغضه وإرادته وكراهته الشرعيين" إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم على هذين الأصلين: الحب والبغض، ومنبع هذه الأمور جميعاً هو الإخلاص والمتابعة، والأمر بالمعروف ناشئ عن محبته، وإنكار المنكر ناشئ عن بغضه وكراهيته، والأصل أن تكون المحبة والبغضاء تابعة للشرع وللدين لا للهوى.
    وأهل الهوى لسان حالهم يقول: إذا أعجبني إنسان لسبب ما لا أنهاه ولا آمره، وإذا كنت أبغضه لسبب ما أشهر به وأفضحه..!
    يجب أن يكون الإنكار والأمر لله، فهذه من الدقائق الخفية، وأمراض القلوب دقيقة وخفية.
    والهوى يدخل الإنسان في باب الظلم الذي سبق الحديث عنه، ويؤدي إلى أن يحبط العمل، فلا يقبل، إذا كان الغرض منه حظ النفس لا غيرةً لدين الله ومحارمه أن تنتهك.
    فإذا ارتكب المنكر من يحابي تعلل له العلل وانتحل له المعاذير، وإذا ارتكب المنكر مَنْ تغلي له القلوب بالعداوة أو الحقد، فإنه يشهـر به ويعـاقب ويؤدب، ويقال: هذا إقامة لدين الله وتنفيذ لحد الله وحكم بشـرعه.
    والحقيقة أنه في الحالين إقامة لحظ النفس وانتقام لها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله، والصحابة ما فاقوا وفضلوا على الناس إلا بهـذا الخلق العظيم، وهو ترك الغضب للنفس، مع أن الإنسان لا يستطيع أن يحزم نفسه في كل وقـت، لكن عليه أن يجاهدها على ذلك.
    ثم يبين شيخ الإسلام أن إنكار المنكر إنما يكون على حسب قوة المنكر وقدرته، يقول: "وأن يكون فعله للمحبوب ودفعه للمكروه بحسب قوته وقدرته؛ فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها" فلا يمكن أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر إلا بحسب القدرة والطاقة.
    يقـول: "فأما حب القلب وبغضه وإرادته وكراهيته، فينبغي أن تكون كاملة جازمة، لا يوجب نقص ذلك إلا نقص الإيمان" أي: فالقلب يجب أن يأمر بالمعروف أمراً جازماً كاملاً، وأن ينهى عن المنكر نهياً جازماً كاملاً، يعتقد ذلك، ويألم بقدر ما يكون فيه من الإيمان.
    وحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كمال الإيمان، ولا يجوز أن ينخرم؛ لأن هذه القلوب جعلها الله مكنونة محفوظة لا يستطيع أحد أن ينالها بفضله وكرمه عز وجل، فقد يقبض على الجسد ويؤذى، لكن ما في القلب يبقى لا يُنال، وهذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، فلذلك لا يجوز للإنسان أن يشرح للمنكر صدراً أو أن يقره، بل يجب أن يغضب ويتألم ويحترق، ويدعو الله أن يزيل الشر.
    قال: "وأما فعل البدن فهو بحسب قدرته، ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة، وفعل العبد معها بحسب قدرته، فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل" وهذا شيء عجيب جداً، وهو من فضل الله عز وجل، وهناك أدلة كثيرة تدل على هذه القاعدة العظيمة من قواعد المعاملة بين العباد وبين ربهم سبحانه وتعالى، وهي قاعدة عظيمة نحتاج أن نعرفها وأن نتعامل مع الله من خلالها.
    فمن الأدلة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: {من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة}، والحديث المتفق عليه في غزوة تبوك: {إن بـالمدينة أقواماً ما قطعتم وادياً ولا سلكتم شعباً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر} بعضهم مريض، وبعضهم أعمى، فكتب الله له عمل أولئك المجاهدين، وكأنه يقطع تلك الوديان والشعاب في شدة القيظ الذي فر منه المنافقون: ((وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ))[التوبة:81]؛ فالمنافقون خابوا وخسروا، وهذا له الأجر وهو جالس.
    ومن خرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله، ثم أدركه الموت قبل أن يصل إلى المدينة، كان له ما للمهاجرين من الأجر، قال الله تعالى: ((وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ))[النساء:100] وهو ما أتم الهجرة لكنه فعل ما استطاع، فوقع أجره على الله.
    وأدلة هذه القاعدة كثيرة.
  5. اتباع الهوى مهلكة

     المرفق    
    يقول: "فإن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها، لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله، وهذا من نوع الهوى، فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هـواه: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ))[القصص:50]، فإن أصل الهوى محبة النفس ويتبع ذلك بغضها، ونفس الهوى -وهو الحب والبغض الذي في النفس- لا يُلام عليه؛ فإن ذلك قد لا يملك" وجود الهوى في النفس لا يلام عليه، لأن الإنسان قد لا يملك أن يدفعه؛ كما إذا جاءته النفس بحسد أو بميل إلى أحد دون أحد لمحبة ولرغبة ولحظٍ فيها فقط، وليس ذلك من الحق والعدل في شيء، لكنه قد لا يملك؛ لأنه ليس كل النفوس تتصفى إلى حد التجرد الكامل، بل تبقى فيها نوازع شر وهوى، فلا يلام على وجودها، إنما يُلام على اتباعه، أما إذا دافع الإنسان هواه فإنه يؤجر على ذلك إن شاء الله.
    يقول: "وإنما يلام على اتباعه؛ كما قال تعالى: ((يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ))[ص:26] وقال تعالى: ((وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ))[القصص:50] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق في الغضب والرضا، وثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه}... بل قد يصعد به -أي بالإنسان- الأمر إلى أن يتخذ إلهه هواه، واتباع الأهواء في الديانات أعظم من اتباع الأهواء في الشهوات" أي: جنس البدعة أعظم من جنس المعصية.
    يقول: "فإن الأول حال الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين، كما قال تعالى: ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ))[القصص:50]" ... إلى آخر ما ذكر من آيات كثيرة تدل على أن سبب كفر الكفار وشرك المشركين اتباعهم للهوى،
    وسبب ترك الأمر والنهي فيما دون الشرك هو اتباع الهوى المتعلق بالشهوة.
    أما الهوى الذي يتعلق بالبدعة والشرك، فهو متعلق بالشبهة، وما كان متعلقاً بالشرك فهو أقبح وأكبر مما يتعلق بالزنا والسرقة والخمر والخيانة، حتى الغيبة والنميمة تدخل فيها شهوات الناس، والشيطان يزينها لهم، وقد {حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره}، لكن جنس البدع والشبهات أشد وأشنع، وهو غير متوقع من المؤمن؛ والأصل فيما يتعلق بالقلب من الإيمان أن يكون كاملاً وجازماً، فإذا زاغت العين وفعلت الجارحة ما فعلت، فسرعان ما يرجع المؤمنون ويتذكرون.. ((فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ))[الأعراف:201] لكن إذا وقع الخلل في أصل الاعتقاد والاتباع، فقد خسر العبد خسراناً مبيناً، نعوذ بالله من الخسران!
    يقول: "ولهذا كان من خرج عن موجب الكتاب والسنة من العلماء والعباد يُجعل من أهل الأهواء، كما كان السلف يسمونهم أهل الأهواء".
    ويوجد هذا في كلام مالك والحسن البصري وأيوب السختياني والإمام أحمد ويحيى بن سعيد وأمثالهم من الأئمة، بل كان أيوب يسمي أهل الأهواء كلهم خوارج، كما رواه اللالكائي وغيره عنه، وكلامه صحيح من حيث اللغة؛ لأنهم خرجوا عن السنة ومرقوا من الحق، وإن اختلفت بهم الأهواء وتشعبت.
  6. النية والحركة ركنا كل عمل

     المرفق    
    ثم يقول: "ولما كان العمل لا بد فيه من شيئين: النية والحركة" حقيقة العمل أن الإنسان أتاه بعزيمة ونية وحركة في الواقع، "كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أصدق الأسماء حارث وهمام} فكل أحد حارث وهمام له عمل ونية" أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وإنما كان هذان الاسمان أصدق الأسماء؛ لأنهما مطابقان للواقع؛ لا يقتضيان مدحاً أو ذماً لذاتهما، فهذا أفجر خلق الله فرعون: حارث، لكنه حرث الكفر والشرك والعناد والجحود، وهمام لأن كل الأعمال التي عملها جاءت عن هم ونية وعزيمة.
    وأفضل خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم حرث الخير العظيم الذي لم يأت أحد بمثله.
    "فكل إنسان حارث، وكل إنسان همام" إن نظرنا إليه من جهة عمل القلب، فهو همام؛ لأن كل إنسان في كل وقت يهم بشيء؛ يحدث نفسه: غداً أعمل مشروعاً.. سأدرس.. سأتخرج.. سأبني بيتاً.. سأتزوج.. سأعمل كذا..
    والحرث هو الحركة والعمل، هذا هو أصل جميع البشر، ولهذا فلا بد أن يكون الحرث والهم موافقاً لدين الله وشرعه، فتنوي الخير وتعمله.
    يقول: "فكل أحد حارث وهمام؛ له عمل ونية" وبذلك فسر عبد الله بن عباس قوله تعالى: ((قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ))[الإسراء:84] أي: على نيته وعلى وجهته وطريقته؛ فاليهود مثلاً يعملون على شاكلتهم ووجهتهم، ولذلك يريدون أن يأخذوا بلاد المسلمين، ويقضوا على دينهم، ويفسدوا شبابهم، وهم يخططون لإغواء الفتيان والفتيات، فهؤلاء يعملون على منهجهم ونيتهم، والمؤمنون الأخيار يعملون على منهجهم ونيتهم، وبحسب إرادتهم من الأعمال الصالحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعلاء كلمة الله، والجهاد في سبيل الله.
    يقول: "لكن النية المحمودة التي يتقبلها الله ويثيت عليها أن يراد الله بذلك العمل" هنا نية وهم محمود، والعمل المحمود الصالح هو المأمور به؛ لأن {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أي: مردود على صاحبه، لا ينفعه ولا يتقبل منه، ولا يجازى عليه خيراً؛ بل يجازى عليه بالشر بعكس ما كان يظن، يقول: "ولهذا كان عمر بن الخطاب يقول في دعائه: [[اللهم اجعل عملي كله صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً، ولا تجعل لأحد فيه شيئاً]] " وهذا من كمال فقه السلف .
  7. شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

     المرفق    
    ثم يقول: "وإذا كان هذا حد كل عمل صالح، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يجب أن يكون هكذا في حق نفسه، ولا يكون عمله صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه".
    فهناك شروط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد تحقق الإخلاص لله تعالى وحسن النية والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
    1. العلم

      يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشروط خاصة به منها: العلم الذي أهمله كثير من الناس فتخبطوا، فأمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف.
      يقول شيخ الإسلام رحمه الله: وكما قال عمر بن عبد العزيز [[من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح]].
      ولهذا جعل الله تعالى العلم حجة على العباد، أعني علم القرآن والسنة، واستشهد على أعظم قضية -وهي وحدانيته عز وجل- بعد نفسه الكريمة والملائكة بأولي العلم الذين لا يفعلون ولا يقولون ولا يأمرون ولا ينهون إلا بدليل.
      يقول: "وكما في حديث معاذ [[العلم إمام العمل والعمل تابعه]]، وهذا ظاهر" يعني: هذه قضية واضحة "فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلم كان جهلاً وضلالاً واتباعاً للهوى كما تقدم، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام" لأن كلمة الجاهلية تطلق على الذين لا يعلمون، وهذا معنى كونهم في جاهلية، والمقصود بالعلم العلم النافع، وهو النور الذي أنزله الله في هذا الكتاب وجاء به محمد صلى الله عليه وسلم، "فهذا الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما، ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي" فالعلم علمان: علم بأن هذا معروف وأن ذاك منكر، والعلم الثاني: العلم بحال المأمور وحال المنهي.
      يقول: "ولا بد من العلم بحال المأمور والمنهي" لابد أن تكون على علم بذلك، ومن علمك بذلك تستطيع أن تضع الدواء في موضعه؛ لأنك قد تنكر على إنسان وهو لم يأت بمنكر أو قد يكون معذوراً، وقد لا تأمر إنساناً لجهلك بحاله، ولو علمت حاله لوجدت أنه من الضروري أن تأمره.
      فلا بد من معرفة الواقع، والمشكلة أن بعض الدعاة أو العلماء أو من كان من أهل الخير والتقوى والصلاح لديهم العلم بالمعروف والمنكر، ولكن ليس لديهم العلم بحال المنهي وحال المأمور؛ فكان في ذلك ضرر كبير على الأمة، وهم في ذلك مخطئون، لكنهم قد يكونون غير آثمين؛ لأنهم اجتهدوا، وهذا غاية علمهم، لكن وقع التلبيس على الناس.
      مثلاً: بعض الناس يظن أنه ذو علم أو فضل، وأنه متلبس بصغيرة أو كبيرة معينة، والحقيقة أنك لو عرفت حاله لوجدته متلبساً بالكفر والشرك أو بالبدع، فلهذا تقول: أنكرت عليه كذا.. وأمرته بكذا.. وما عرفت أن حاله أعظم من ذلك.
      وبالعكس: قد يقال: إن فلاناً فعل كذا، فيحكم عليه كما لو كان فاجراً من الفجار، بينما يكون من فعل ذلك الآمر الذي ينهى عنه أو يؤمر به: من أهل الخير والصلاح والفضل؛ فعل ما فعل متأولاً أو لعذرهما يعذر به أمثاله؛ بحيث أنه لا ينكر عليه بمثل ما ينكر به على غيره، وهناك فرق بين المتأول وبين الجاحد والمعاند، فهناك من يتأول وله دليله واجتهاده واستنباطه، فربما ارتكب المحرمات العظائم التي تصل إلى حد إراقة الدماء، وربما يكون ظاهره يدل على أنه مستحيل لبعض المحرمات، لكنه على تأول، فهذا غير الجاحد أو المعاند، وقد وقع التأول في عهد الصحابة، فقد تأول قدامة بن مظعون وجماعة معه قوله تعالى: ((لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))[المائدة:93] وقالوا: لا مانع من شرب الخمر؛ لأن عندنا التقوى والإيمان، فلا جناح علينا فيما طعمنا، تأولوا هذه الآية، وتأولهم خطأ ولا شك، لكن هؤلاء لا يعتبرون مثل الذي يشربها ويستحل ما حرم الله من الخمر وكذلك مثل من يقع في الأعراض متأولاً، كما قال أسيد لـسعد بن عبادة: (إنك منافق تجادل عن المنافقين)؛ فلا يعاقب لأنه اتهمه بالنفاق بأن يبوء هو بالنفاق؛ لأن هذا متأول له اجتهاده.
      المقصود أن معرفة حال المأمور والمنهي ضروري في الدعوة إلى الله، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلا وقع الإنسان في خطأ عظيم يؤدي إلى فوضى وإلى تخليط في الأمر والنهي، وإلى تلبيس على العامة، وإلى مفاسد أخرى كثيرة.
    2. الرفق

      الشرط الثاني: الرفق، فلابد أن يكون الإنسان رفيقاً في أمره ونهيه، وهذا من شروط الدعوة.
      يقول رحمه الله: "ومن الصلاح أن يأتي الأمر والنهي بالصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود" هذه قاعدة أن يكون الأمر والنهي على الصراط المستقيم، وهو أقرب الطرق إلى حصول المقصود.
      يقول: "ولا بد في ذلك من الرفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه}.
      الرفق هنا ليس المقصود به -كما يرى البعض- الضعف، بل الرفق شيء والضعف شيء آخر، الرفق مطلوب حتى ونحن نحارب الكفار، فنحن أمة الرفق نعامل الناس جميعاً بهذا الخلق، نترفق في الأمر بالأناة والرحمة والحكمة، حتى ونحن في أشد أنواع الإيلام وهو الحرب، فلا نقتل العجزة الكبار ولا الصغار، ولا نشنع ولا نمثل، وإذا أردنا أن نبدأهم بالقتال، نبذنا إليهم عهدهم على سواء إذا كان بيننا وبينهم عهد.
      إن الرفق: هو الأناة والحكمة وأخذ الشيء ببصيرة.
      أما التقحم في الأمور، فلا يؤدي إلى خير.
      يقول: "وقال صلى الله عليه وسلم: {إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي عليه ما لا يعطى على العنف} ."
      ولهذا قابل الرفق هنا بالعنف لا بالقوة؛ لأن القوة أحياناً تكون هي الحكمة، وتكون هي الخير، ويكون فيها الرفق؛ لكن العنف مذموم لذاته.
      وقد تكون القوة مطلوبة ومأموراً بها في الشرع وخاصة في أخذ الدين وفي الإيمان به؛ قال تعالى: : ((يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا))[مريم:12] هناك فرق بينهما، والضد بالضد يعرف، فيقابل الرفق العنف، أما الحكمة أو البصيرة فقد تكون باللين، وقد تكون بالقوة والشدة.
      فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً            فليقس أحياناً على من يرحم
      أحياناً يكون الحل الصحيح القسوة على من ترحم، فبهذه القسوة تحقق الخير والمصلحة، ليزدجر الذي تحبه عما يضر به من الأمور.
    3. الحلم والصبر

      الشرط الثالث: الحلم والصبر قال رحمه الله: "ولا بد أيضاً أن يكون حليماً صبوراً على الأذى".
      وفي موضع آخر يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحتاج إلى الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل.
      وهذا من درر الكلام وأثمنه..!