ثُمَّ نقل المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ كلام شَيْخِ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ الموجود في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة قَالَ: [فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي " بحق السائلين عليك " وبين قوله: "بحق نبيك أو نحو ذلك " فالجواب أن معنى قوله: " بحق السائلين عليك" أنك وعدت السائلين بالإجابة وأنا من جملة السائلين] نفترض صحة الحديث، فإذا سأل العبد الله تَعَالَى بعمل عمله هو ويظن عند نفسه أن هذا العمل خالص لِوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه خرج من بيته متطهراً يبتغي وجه الله، ورضوانه، إِلَى بيت من بيوت الله فيتوسل إِلَى الله بهذا العمل فَيَقُولُ: "أسألك بحق مماشى هذا" فهو يسأل الله بعمل له صالح.
ثُمَّ يقول: [وبحق السائلين عليك]، وهو أحد السائلين، وعطفهم عَلَى عمله الذي عمله بنفسه
فهذا لا يماثل من قَالَ: "أسألك بحق فلان" لأنه كما ذكر المُصنِّف هنا لا مناسبة ولا ملازمة ولا علاقة بين هذين الأمرين فيقول المصنف: ففي قوله :"أسألك بحق ممشاى هذا وبحق السائلين عليك" هذا حق السائلين هو الذي أوجبه سبحانه عَلَى نفسه فهو الذي أحق لهم أن يجيبهم، وللعابدين أن يثيبهم.

والمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ بنى الكلام عَلَى أساس افتراض صحة الحديث، والحديث غير صحيح فكلام المُصنِّف هنا يجب أن يعلق عليه بأن الحديث غير صحيح وأن هذا الكلام عَلَى فرض صحته زيادة من علماء السنة رحمهم الله تَعَالَى في نفي أي استدلال لأهل البدعة بأي وجه من الوجوه، فأجابَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ بهذا الكلام الذي لخصه المُصنِّف هنا:
وهو أن الحديث لا دلالة فيه حتى عَلَى فرض صحته، ثم ذكر في ذلك قول الشاعر:
ما للْعِبَادِ عَلَيْـهِ حَقٌ وَاجِبٌ            كَلاَّ وَلا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَـائِعُ
نعم، ليس لأحدٍ من الخلق عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حق واجب، وكذلك لا سعي ضائع لأحد منهم، لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يظلم مثقال ذرة كما قَالَ: ((وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا))[النساء:40] وقال أيضاً: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا))[الأنعام:160] فهذا ميزانه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذه معاملته لعباده: "إن عذبوا فبعدله" فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يظلم مثقال ذرة ولن يعذب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أحداً، إلا وهو مستحق لذلك.
فإن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو الذي أعطاهم الهداية، وهو الذي وفقهم لكل خير وصلاح.

فالخير من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي أعطى الإِنسَان خلقه، وعافاه وهداه للإيمان، وأنعم عليه بنعمه ظاهرةً وباطنه، فإذا عبده العبد، أو أطاعه بأي أمر من الأمور فالفضل له أولاً وآخراً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
ولو أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لم يجعل لعباده من الجزاء والإفضال مقابل ما يقدمونه من طاعات إلا ما أنعم به عليهم من النعم في هذه الحياة الدنيا، لكان الفضل أيضاً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن عبادةَ هَؤُلاءِ الخلق لا تكافئ أن تكون مقابل بعض نعمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي تفضل بها عليهم، فكيف وهو جل شأنه الذي يمد الإِنسَان بالقوة والعافية والهداية، ثُمَّ يثيبه عَلَى ما يعمل من طاعات، وَهو الذي وفقه لها بجنةٍ عرضها السماوات والأرض خالداً فيها أبداً، هذا غاية الكرم ولا أحد أكرم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فلهذا قال الشاعر :
إنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أو نُعِّمُوا            فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الكَرِيمُ السامِعُ
ولو أنه قَالَ: "وهو الكريم الواسع"، لكان أولى من ناحية المعنى لأن الواسع ورد في القُرْآن ((إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [البقرة:115] وهو سامع أيضاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن ما دام أن القافية تصح مع ما ورد فأظن أن ذلك أولى.

فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي: "بحق السائلين عليك" وبين قوله: "بحق نبيك" وأهل البدعة يأتون بمثل هذا الحديث، ويقولون: "إن الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب رَحِمَهُ اللَّهُ قد ذكر هذا الحديث في كتابه آداب المشي إِلَى الصلاة فالشيخ مُحَمَّد بن عبدالوهاب يقر التوسل الذي -أنتم أيها الوهابيه- تنكرونه وتسمونه بدعياً"! فأنتم حتى خارجون عن الوهابية.
وهذا الذي يريد أهل البدع أن يقولوه، وقد ذكر شَيْخ الإِسْلامِ عَلَى فرض صحة الحديث أن هناك فرق بين قول القائل "بحق السائلين عليك" وبين قوله: "بحق نبيك" صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو "بحق فلان من الناس".
يقول المصنف: [فالجواب أن معنى قوله "بحق السائلين عليك" أنك وعدت السائلين بالإجابة وأنا من جملة السائلين فأجب دعائي] فهو في حالة سؤاله يسأله بحق السائلين، وهو منهم فهو لم يسأل بأجنبي، فَيَقُولُ: إنما أنا من جملة السائلين فأجب دعائي، فهنا صلة بين المتوسَّل به، وبين المتوسِل.
أما قوله: " بحق فلان أو بحق فلان من النَّاس " فإن فلاناً وإن كَانَ له حق عَلَى الله بوعده الصادق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه لا مناسبة بين حق فلان الذي وعده الله تَعَالَى به وبين الداعي، ولهذا بين المُصنِّف أن هذا الداعي المبتدع كأنه يقول: [لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي] وهذا حقيقة ما يريدون أن يقولوه، ولا ملازمة، ولا مناسبة، ولا علاقة بين هذا وبين ذاك، فعباد الله الصالحين كثر، فمنهم الملائكة المقربون عنده، ومنهم الأَنْبِيَاء والرسل والشهداء وعباد الله الصالحين، وكلهم عبيد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قَالَ: ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)) [مريم:93] فهذا هو حالهم جميعاً وهذا السائل من جملة المطالبين بالعبودية
لله ، والعبد مطلوب منه أن يعبد الله، وأن يتوسل إليه بما شرع من أعمال الخير، والطاعات وعلى رأسها التوحيد وعدم الابتداع.