الموحد الحقيقي المخلص هو من يدعو ويرفع حاجته إِلَى الغني الحميد سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كما قال الله: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ))[فاطر:15] {يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم}.
ويقول بعد ذلك: {يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا عَلَى أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا عَلَى أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا عَلَى صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر} هذا هو غاية الكرم، مع غاية الغنى، فالغنى والكمال المطلق هو لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فهو الغني الحميد،
فأهل التوحيد والإيمان أدركوا أن الله بيده خزائن كل شيء -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وهو الذي بيده مفاتح الغيب وهو وحده الرزاق ذو القوة المتين كما قال عن نفسه: ((وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)) [هود:6].
إن دُعيَّ الملائكة، فهم عباد مكرمون عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ ولكنهم لا يعصون الله ما أمرهم أبداً، هم عباد من عباد الله يرجون الله، وهم من خشيته مشفقون، ولا يعصون أمره، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، وإن عبد الأنبياء، فالأنبياء بشر مثلنا، عاشوا عَلَى هذه الأرض كما نعيش، ولاقوا من المحن والشدائد ما جعلهم يلجأون إِلَى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ليكشف عنهم ذلك الكرب وذلك الضر، والأولياء أو الصالحون لا شك أنهم أدنى درجة من الأنبياء، فقضية التوحيد واضحة لِمَن بصَّره الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وتفكر وتأمل، أمرٌ جلي واضح أن المسئول المدعو هو الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سواء كَانَ ذلك دعاء عبادة أو دعاء مسألة فالأمر يرجع كله إِلَى حاجة المخلوقين واضطرارهم وافتقارهم إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.