المادة كاملة    
الفلاسفة طائفة كافرة ملحدة، اتفقت جميع فرق المسلمين على تكفيرهم؛ وذلك لقولهم بقدم العالم، وبأن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، وبإنكارهم للبعث والنشور. ويعتقدون أن الله ليس له وجود حقيقي، وينفون عنه أسماءه وصفاته، ويكذبون جميع الرسل، كما ينكرون الكتب السماوية.. وهذا من كفرهم وضلالهم!
  1. عقيدة الفلاسفة في الله سبحانه وتعالى

     المرفق    
    قال المصنف رحمه الله تعالى:
    [فإن مذهبهم أن الله سبحانه وجودٌ مجرد لا ماهية له ولا حقيقة، فلا يعلم الجزئيات بأعيانها، وكل موجود في الخارج فهو جزئي، ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته، وإنما العالم عندهم لازم له أزلاً وأبداً، وإن سموه مفعولاً له، فمُصانعةً ومصالحة للمسلمين في اللفظ، وليس عندهم بمفعول، ولا مخلوق، ولا مقدور عليه، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته، فهذا إيمانهم بالله.
    وأما كتبه عندهم فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا تكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول، والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص: قوة الإدراك وسرعته؛ لينال العلم أعظم مما يناله غيره! وقوه النفس؛ ليؤثر بها في هيولى العالم بقلب صورة إلى صورة، وقوة التخييل؛ ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم! وليس في الخارج ذات منفصلة تصعد وتنزل وتذهب وتجيءُ وترى وتخاطب الرسول، وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان.
    وأما اليوم الآخر فهم أشد الناس تكذيباً به وإنكاراً له، وعندهم أن هذا العالم لا يخرب، ولا تنشقُّ السماوات ولا تنفطر، ولا تنكدر النجوم، ولا تكوَّر الشمس والقمر، ولا يقوم الناس من قبورهم، ويبعثون إلى جنة ونار، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام، لا حقيقة لها في الخارج، كما يفهم منها أتباع الرسل، فهذا إيمان هذه الطائفة -الذليلة الحقيرة- بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذه هي أصول الدين الخمسة
    ] اهـ.
    الشرح:
    الإيمان بالله عند الفلاسفة معناه: الإقرار بأن هذا الكون معلول وله علة، بمعنى: أنهم لا يقولون: إن الكون مخلوق وله خالق، والعلة هي التي يسميها المؤمنون الله سبحانه وتعالى، أي: أن نشوء الكون ووجوده مثل نشوء المعلول عن طريق العلة، ولا يقولون بخالق أنشأ مخلوقاً أو خلق خلقاً وأوجده، فالعلاقة بين الخالق والمخلوق، وبين الكون وبين الله سبحانه وتعالى عندهم تختلف عما يعرفه المؤمنون، وهذه العلاقة تختلف بحسب الأديان والآراء، لكن الله سبحانه عند الفلاسفة هو العلة الأولى، ويقولون: الأولى -حسب كلام أرسطو - على أساس أن أرسطو يرى أن العلة الأولى نشأت منها العلة الثانية، أو العقول، وهكذا إلى العقل العاشر، ثم عنه نشأ الكون، وهذا كلام ليس عليه دليل لا من المنقول ولا من المعقول، ولا يؤمن به عاقل.
    فالله سبحانه وتعالى عند الفلاسفة موجود لا ما هية له ولا حقيقة، أي: لا يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى ذات موجودة خارج الأذهان، كما يؤمن جميع الناس من غيرهم من أهل الأديان وغيرها، بأنه سبحانه وتعالى له وجود حقيقي فوق العالم، فهو ذات موجودة؛ بل يرون أن وجود هذا الإله في الذهن فقط؛ لأنه علة نشأ عنها هذا الكون، فليس له وجود حقيقي، وليس له ماهية.
  2. تكفير المسلمين للفلاسفة وأسباب ذلك

     المرفق    
    لقد أطبقت وأجمعت جميع طوائف الإسلام كـ؛ أهل السنة والجماعة، والمعتزلة والأشاعرة وأهل الكلام والشيعة، على تكفير الفلاسفة وذلك لأسباب ذكرها الغزالي وهي حق، وذكرها شيخ الإسلام وفصلها.
    1. قول الفلاسفة بقدم العالم

      فأول الأسباب التي يكفر بها الفلاسفة: قولهم بأن العالم قديم أزلي، ليس له خالق مستقل له ذات مستقلة، وهذا القول كل طوائف المسلمين متفقة على تكفير من يقول به، وهم بهذا المعنى كالماديين من الشيوعيين والماركسيين وأمثالهم، الذين يقولون: إن الكون نشأ بذاته، والمادة نشأت بذاتها.
      وليس معنى (قديم) أن له أمداً بعيداً؛ بل إن القديم عندهم يعني: الذي ليس له أول، ولذلك فقد ذكرنا في أول شرح الكتاب: أنه لا ينبغي أن نسمي الله سبحانه وتعالى بالقديم، بل نسميه بما جاء في القرآن والسنة وهو (الأول)، والمتكلمون يقصدون بالقديم الأول، أي: الذي ليس قبله شيء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء} .
      إذاً: الفلاسفة يقولون: إن هذا الكون وهذه الموجودات جميعاً أزلية، لا أول لها؛ فكفروا بذلك؛ لأنهم لا يثبتون وجود الله سبحانه وتعالى، ولا يثبتون خلقه وربوبيته.
    2. قول الفلاسفة بأن الله لا يعلم الجزئيات

      السبب الثاني: قولهم: إن الله سبحانه وتعالى يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات -تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً- وقد ذكر الله تعالى في كتابه أنه يعلم الجزئيات، قال تعالى: ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ))[غافر:19].. ((وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ))[إبراهيم:38].. ((مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ ...))[المجادلة:7] الآية، وغيرها من الآيات التي تدل على أن الله تعالى يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات.
      وشبهتهم في قولهم بأن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، هي الشبه الكاذبة التي قال بها أرسطو، وهي: أن الله سبحانه وتعالى كامل لا يصدر عنه إلا كمال، والكامل لا يشغل نفسه بالناقص؛ والكون والمخلوقات فيها نقص وشر وبلاء، وفيها أمور مكروهة، فالكامل لا يشغل نفسه بها.
      إذاً: فقد جعلوا الله تعالى معزولاً عن تدبير الكون وتصريفه حتى لا يشغل نفسه بهذا الناقص؛ وذلك لأن الجزئيات تحتوي على بلاء وشر؛ كالقتل والنهب وغيرها، فيقولون: لو قلنا: إن الله يعلمها، لما نزهنا الله! وهذا من الجهل بالله عز وجل، فإنهم أرادوا أن ينزهوا الله بعقولهم، ولم ينزهوه كما نزه نفسه، وقولهم هذا كقول القدرية، لكنهم زادوا على ذلك، فقالوا: لا يعلمها، فأنكروا العلم، وهو المرتبة الأولى من مراتب القدر التي من أنكرها فقد كفر، ولذلك فإن أكثر القدرية لم ينكروا العلم؛ لأنهم لو أنكروه لكفروا، أما الفلاسفة فقد أنكروا العلم، ولكن العلم بالجزئيات، وذلك مداهنة لأهل الإسلام، ونحن عندما نذكر كلام أرسطو نذكره على ما فهمه ابن سينا والفارابي والرازي وأضرابهم إلى نصير الكفر الطوسي الذي سمى نفسه نصير الدين الطوسي، وإلا فإن الذين نقلوا عن أرسطو قد اختلفوا فيما بينهم.
      يقول ابن رشد مثلاً: إن بعض الفلاسفة أو بعض المنتسبين إلى الإسلام فهموا كلام أرسطو فهماً خاطئاً. وقد ذكرنا أن أرسطو وأفلاطون فلاسفة، ولكن الفلسفة ليست محصورة فيهما، فالفلسفات كثيرة، ولكن هؤلاء المنتسبون إلى الإسلام من الفلاسفة -وهم من ذكرنا أسماءهم- وقعوا على أحط المذاهب وأخسها، وهو ما ينسب إلى أرسطو، فقالوا: إن الله تعالى لا يعلم الجزئيات، وذلك حتى لا يعلم الشر؛ لأنه لو علم بالشر فسيكون قد قدره، والشر والقبيح موجود في العالم، إذاً لا بد أن ننزه الله عنه، وبذلك وصفوا الله تعالى بالجهل حتى ينزهوه!
      وهكذا كل من أراد أن ينزه الله تعالى من غير طريق الكتاب والسنة، فإنه ينسب إليه النقص والعيب الذي لا يليق بالمخلوق، فإنه لو قيل عن المخلوق: إنه يجهل ما لا ينبغي لمثله أن يجهله؛ لكان ذلك عيباً ونقصاً، فكيف يقال ذلك في حق الله سبحانه وتعالى؟!
      يقول المصنف: [وكل موجود في الخارج فهو جزئي]، أي: أن قولهم بأن الله لا يعلم الجزئيات يدل على أن الله تعالى لا يعلم شيئاً؛ لأن كل موجود في خارج الذهن فهو جزئي.
      وقولهم: (داخل الذهن وخارج الذهن)، المقصود بداخل الذهن: التصورات التي يسمونها: الكليات، فمثلاً: الإنسانية التي هي مركبة من الحيوانية والناطقية، هذا تصور كلي داخل الذهن، أما خارج الذهن فتوجد الجزئيات، أي: الآحاد؛ كعبد الله، وعلي، وحسن، ومحمد، وفلان وفلانة.. إلخ.
      إذا تقرر هذا فإنهم جعلوا وجود الله تعالى وجوداً ذهنياً، وقالوا: إنه لا يعلم إلا هذه التصورات والكليات، وهي الحدود والتعريفات الذهنية، كما تقول مثلاً: إن الماء سائل لطيف شفاف، فهو سبحانه لا يعلم -عندهم- إلا هذا التصور الذي لا وجود له إلا في الذهن، أما ما كان خارج الذهن من الجزئيات فلا يعلمها، فمعنى ذلك أن الله لا يعلم شيئاً؛ لأن كل ما كان خارج الذهن فهو جزئي، فمثلاً: آحاد الملائكة موجودون خارج الذهن في الواقع، وكذا آحاد الإنسان، وآحاد الكواكب، فكل هذه الأشياء آحاد متشخصة جزئية، فلا يعلمها الله على قولهم، تعالى الله عما يصفون!
    3. قول الفلاسفة بأن الله لا يفعل بقدرته ومشيئته

      ثم قال: [ولا يفعل عندهم بقدرته ومشيئته]، وهذا أيضاً من كفرهم وضلالهم، وهو قولهم بأن الله سبحانه وتعالى لا يفعل بمشيئته وقدرته وإرادته؛ لأنه عندهم علة، والعلة ليس لها إرادة، وإنما هي أمر ذهني (عقلي) تصوري فقط، فمثلاً: قولنا: الحرارة علة في تبخر الماء، فليس هناك إرادة ولا قدرة لا للحرارة ولا للماء، وإنما هو مجرد شيء تصورناه في أذهاننا وجعلناه علة له في الذهن، ويمكن أن نستنتج قاعدة أخرى، أو نستثني من هذه القاعدة.. فهي أمور ذهنية عقلية بحتة.
      وبهذا الاعتقاد كفروا بالله تعالى، ونفي الإرادة والمشيئة والقدرة عن الله سبحانه وتعالى مبني على أنه مجرد علة، وليس ذاتاً لها وجود حقيقي، ولها أسماء صفات.
      قال: [وإنما العالم عندهم لازم له أزلاً وأبداً]، وذلك لأن المعلول والعلة لا ينفكان، قال: "وإن سموه مفعولاً له"، فإن من الفلاسفة من يقول: إن هذا العالم مصنوع، وأحياناً يقولون: الله الصانع، فهل خرجوا عما قالوه وقرروه؟ يقول الشيخ: "وإن سموه مفعولاً له، فمصانعة ومصالحة للمسلمين في اللفظ"، فإنه في عصر الفلسفة اليونانية التي جاء بها أرسطو وأمثاله، لم يكن هذا الاعتقاد موجوداً، أي: تسميتهم لله فاعلاً وللعالم مفعولاً، أو خالقاً والعالم مخلوقاً، لكن ابن سينا مثلاً لم يستطع أن يقول هذا الكلام؛ لأنه عندما صرح به غيره كفرهم المسلمون ونابذوهم؛ لأن أي مسلم مهما كان قليل العلم، فإنه يعلم أن الله خالق، وأن هذا الكون مخلوق، بل حتى المشركون يقول الله عنهم: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ))[الزخرف:9]، فيثبتون أن الله هو الخالق وأنه العزيز العليم، لكن هؤلاء لا يثبتون شيئاً، فكفرهم شديد جداً، لكنهم يتسترون حتى يسلموا من السيف، ومن أذى المسلمين لهم، فيصانعونهم ويقولون: هو الصانع، والكون مصنوع أو مخلوق، فإذا وجد ذلك من كلامهم فهو مداراة ومصانعة، وأما على أصولهم -أنه علة ومعلول- فمن الخطأ أن نجعله خالقاً ومخلوقاً.
    4. الفلاسفة ينفون عن الله أسماءه وصفاته

      يقول: [وليس عندهم بمفعول ولا مخلوق ولا مقدور عليه، وينفون عنه سمعه وبصره وسائر صفاته، فهذا إيمانهم بالله].
      فهم ينفون عن الله سبحانه وتعالى جميع الصفات، ومنها السمع والبصر، وقد ذكر الشارح رحمه الله هاتين الصفتين لسبب، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))[الشورى:11]، فهاتان الصفتان من أظهر وأجلى الصفات؛ لأن الآية التي ورد فيها نفي المثلية أثبتت هاتين الصفتين.
      فقد أنكر الفلاسفة جميع الصفات حتى السمع والبصر، ولذلك قيل: إن الفلاسفة هم أبعد الفرق عن حقيقة الإيمان، وهناك فرق تشاركهم في نفي السمع والبصر والقدرة، وهي: الجهمية، ثم المعتزلة الذين يثبتون الأسماء وينفون الصفات، فيقولون مثلاً: سميع بلا سمع، وبصير بلا بصر، ثم الأشاعرة الذين يثبتون السمع والبصر إثباتاً يختلف عن إثبات أهل السنة، إذاً هناك فرق تشاركهم في نفي السمع والبصر، لكنهم أشد الناس بعداً فيها. وبهذا نعلم أن الفلاسفة كفروا بسبب ثلاث مسائل:
      المسألة الأولى: قولهم: إن العالم قديم.
      المسألة الثانية: قولهم: إن الله يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات.
      المسألة الثالثة: إنكارهم للبعث يوم القيامة، إلا البعث الروحاني كما سيأتي.
      وهذه المسائل تابعة لما قبلها، فإنكارهم للقدرة والخلق والإرادة والسمع والبصر، كلها متفرعة عن تصورهم أن الله تعالى ليس له وجود حقيقي.
    5. عقيدة الفلاسفة في الكتب السماوية

      يقول المصنف: [وأما كتبه عندهم، فإنهم لا يصفونه بالكلام، فلا تكلم ولا يتكلم، ولا قال ولا يقول]. وكلامهم هذا مبني على أنه علة، أو مجرد شيء موجود في الأذهان لا حقيقة له، وهذا الشيء لا يتكلم ولا يقول، فقد أنكروا صفة الكلام مطلقاً، والذي لا يثبت الكلام لا يؤمن بالكتب؛ ولذلك فإنهم ينكرون الكتب.
      والفرق بين الفلاسفة وبين المعتزلة :
      أن المعتزلة يقولون: لا يتكلم ولا قال ولا يقول، لكنه خلق القرآن، فكما أنه خلق الشجر والحجر، كذلك خلق كتاباً هو القرآن -تعالى الله عما يصفون- وهذا مذهب باطل، أما الفلاسفة فقد قالوا قولاً أخبث من ذلك وأشد، قالوا: ليس هناك كتب أبداً، فلا يتكلم ولا يخلق، فلم يقولوا: إن القرآن مخلوق، بل إنهم لا يؤمنون به أصلاً. هذا هو مذهبهم.
    6. عقيدة الفلاسفة في القرآن الكريم

      قال: [والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعَّال على قلب بشر زاكي النفس طاهر ..].
      فإن أرسطو وأفلاطون وأمثالهم لا يؤمنون بأي دين ولا بأي كتاب، لكنهم يؤمنون بأن العقل الفعال يفيض على بعض النفوس، وإنما قالوا ذلك ولم يقولوا: يخلق ويعطي؛ لأنه ليس له إرادة عندهم ولا اختيار حتى يعطي أحداً، إنما العقل الفعال هو الذي يفيض على بعض النفوس التي عندها إدراك معين، فقال المنتسبون منهم للإسلام: ومن ذلك أن القرآن فيض وليس كلاماً من الله سبحانه وتعالى.
      والعقل الفعال هو آخر العقول العشرة التي قال عنها أرسطو : إن العقل الأول نتج عنه الثاني، وعن الثاني نتج الثالث، إلى أن نتج العاشر ففاض، وكان من فيضه هذا الكون وهذا الوجود! والعجيب أنها بلغت عشرة، ولا ندري لِمَ لم تصل إلى مائة؟! ولم لا تكون ألفاً؟! بل لم لم تكن واحداً ويفيض مباشرة؟!
      كلام ليس عليه دليل، وإنما هو خبط وخرص وظن لا يغني من الحق شيئاً.. وهذا هو مذهب المعلم الأول الذي لا تكاد توجد كلية آداب أو اقتصاد أو إدارة أو اجتماع أو نفس.. إلا وأرسطو مذكور وممدوح فيها، وتماثيله تملأ الشوارع والميادين، وذكره في كثير من الكتب.. هذا هو العقل العظيم عندهم الذي يقتدون به ويستنيرون بهداه، ويتركون كلام أحكم الحاكمين وهدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
    7. حقيقة النبوة عند الفلاسفة

      إذاً: القرآن عندهم فيض فاض من عقل فعال على قلب بشر، وهذا البشر: [زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص]، وهذا يفسر لنا معنى النبوة عندهم.
      وهناك علاقة بين جميع أركان الإيمان؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ((وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ))[النساء:136]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل : {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر}، أي: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق الكون، وأنه رب العالمين، وتؤمن بملائكته، وأن الله سبحانه وتعالى يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس، فالملائكة هم حملة النور والهداية من الله إلى الرسل، يسمعون كلام الله فيبلغونه، والكتب متضمنة للوحي الذي تنزل به الملائكة، فإن الله سبحانه وتعالى يتكلم بالوحي، فيسمعه الملك، فينزل به على الرسل، ولذلك فإن أركان الإيمان مرتبة هكذا: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ومن لم يؤمن بواحدة منها فليس بمؤمن.
      فيقول الفلاسفة: إن العقل الأول يفيض.. فالقرآن عندهم هو فيض يفيض على إنسان متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص.
      وهل يمكن أن يكون هذا الفيض مكتسباً أم لا؟ بمعنى: هل يمكن أن تكتسب قوة الإدراك وقوة النفس وقوة التخييل؟
      الجواب: نعم. فإن الحيوانات كالكلاب والقردة ونحوها، تدرب على أشياء حتى تكتسب قدرة على التخيل، وقدرة في النفس، ولذلك فإن النبوة عند الفلاسفة اكتساب، ونجد أن الذين تفلسفوا من الصوفية قالوا بهذا القول، فأخذوا بنظرية الفيض، وآمنوا بأن النبوة مكتسبة، والعياذ بالله! وهؤلاء خارجون عن الملة، ومنهم: ابن سبعين والحلاج و ابن عربي، وأمثالهم، وقد كان ابن سبعين يجلس في غار حراء ويتعبد، رجاء أن يفيض عليه العقل الكلي!! عياذاً بالله من هذا الكفر والضلال المبين!
      ولذلك يقول ابن رشد في كتابه فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال : إن الشريعة والحكمة- أي الفلسفة -رضيعان توأمان. ومعنى هذا الكلام: أن النبي الذي أوحى الله إليه فقال الحق، مثله ذلك الإنسان الذي كانت لديه ملكة، فنماها حتى أصبح العقل الأول الفعال يفيض عليه، فقد وصل هذا إلى ما وصل إليه ذاك، ولذلك فإن الحكمة -الفلسفة- والدين رضيعان توأمان لا تعارض بينهما، ولذلك وقعوا فيما وقعوا فيه من الكفر والضلال.
      يقول ابن عربي في مسألة الولاية:
      مقام النبوة في برزخ            فويق الرسول ودون الولي
      فالولي عندهم أعظم من النبي، ولهذا يقولون: إن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء! وكلما ظهر شيخ من مشايخ الصوفية ادعى أنه خاتم الأولياء.. من ابن عربي، إلى المهدي الذي خرج في السودان، إلى محمود محمد طه .. وغيرهم، ثم جاء القادياني من جهة ثانية، وكلهم يهدفون إلى نفس القضية، وهي أن الولاية لم تختم ولم تنتهِ، والأصل في ذلك الشر والبلاء كله هو هذه المبادئ الفلسفية، ولهذا فإن ابن سينا أصله اثنا عشري، فهو من أتباع العبيديين الفاطميين، ثم تقرمط وتفلسف، كما فعل ذلك من بعده نصير الكفر الطوسي .
  3. صفات النبوة المكتسبة عند الفلاسفة

     المرفق    
    قال المصنف رحمه الله: {والقرآن عندهم فيض فاض من العقل الفعال على قلب بشر زاكي النفس طاهر، متميز عن النوع الإنساني بثلاث خصائص}، عند الفلاسفة ثلاث خصائص، يمكن لأي أحد وجدت عنده، أو حاول أن يكتسبها، أن يصبح نبياً على مفهومهم للنبوة.
    وهذه الصفات أو الخصائص هي:
    1. قوة الإدراك

      قال المصنف: [...قوة الإدراك وسرعته؛ لينال من العلم أعظم مما يناله غيره]، فيكون عنده إدراك وذكاء بحيث يفهم من اللمحة أكثر مما يفهم غيره.
    2. قوة النفس والتأثير

      قال: [وقوة النفس؛ ليؤثر بها في هيولى العالم، بقلب صورة إلى صورة].
      عنده أيضاً قوة تأثير نفسي بحيث يقلب الهيولى إلى صورة، والهيولى كلمة يونانية تعني مادة الشيء.
      فمثلاً: الخشب في ذاته يسمونه هيولى، أي: مادة الخشب، فإذا صنع من الخشب كرسي أو عصا، أو نحو ذلك، سمي هذا الشيء: صورة، فالذي لديه قوة نفس يستطيع أن يقلب الهيولى إلى صورة، أي: أنه يستطيع بالقوة النفسية -على زعمهم- أن يقلب هذا الشيء إلى شيء آخر، وهذا في الحقيقة هو الساحر، وهذه هي صفاته؛ ولهذا اقترن السحر بالفلسفة، وبالتصوف؛ لأن الصوفية في الأصل فلاسفة، فلا فرق عندهم بين معجزات الأنبياء وبين السحر.
      فمثلاً يقولون: إن الله تعالى أعطى الأنبياء آيات ومعجزات، ومن ذلك أنه أعطى موسى معجزة قلب العصا إلى حية، فما فعله موسى وأظهره الله على يده لا يختلف عما فعله السحرة، فالكل عندهم مجرد تغيير من هيولى إلى صورة وإلى شكل، ولا فرق، فالكل واحد، ولذلك فإنهم إما أن يعتبروا الأنبياء سحرة والعياذ بالله! وهذا مما يكفرون به، وإما أن يعتبروا السحرة أنبياء، ولا فرق عندهم، فكل من كانت عنده قدرة على أن يقلب الأشياء، فهذا هو الذي يملك صفة النبوة؛ لأن النبوة في نظرهم هي أن يمتلك هذه القوة التأثيرية النفسية لقلب الأشياء والحقائق، فيؤثر في هيولى العالم ويقلبها من صورة إلى صورة.
    3. قوة التخييل

      قال: [وقوة التخييل؛ ليخيل بها القوى العقلية في أشكال محسوسة، وهي الملائكة عندهم]، فالملائكة عندهم عبارة عن قوى عقلية، فبقوة هذا الرجل الذي عنده قوة التخييل، يقلب هذه القوى العقلية إلى أشكال وهيئات محسوسة.
      فهم في الحقيقة لا يعتقدون بوجود الملائكة، وقوة التخييل هي كفعل السحرة الذين يقلبون الأشياء من شكل إلى شكل آخر، وهي عند الفلاسفة أنه يستطيع أن يقلب القوى العقلية -وهي الملائكة في زعمهم- إلى أشكال محسوسة، فيقول: جاءني ملك صفته كذا وكذا.. وهذا من كفرهم والعياذ بالله!
      يقول: [وليس في الخارج -أي: خارج الذهن عندهم- ذات منفصلة، تصعد وتنزل، وتذهب وتجيء، وتُرى وتخاطب الرسول]، أي: أنه ليس هناك ملائكة لها ذوات مستقلة تفعل هذه الأفعال، من الصعود والنزول... إلخ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار}، فهي تذهب وتجئ، وتُرى، وتخاطب الرسول، كما خاطب جبريل محمداً صلى الله عليه وسلم.
      يقول: [وإنما ذلك عندهم أمور ذهنية لا وجود لها في الأعيان]، فالملائكة عندهم ليست حقائق خارجية موجودة، إنما هي مجرد تخيلات في أذهان هؤلاء الذين عندهم هذه الخصائص وهذه الصفات.
      إذاً: مما سبق يتبين أنهم لا يؤمنون بالله، ولا بالملائكة، ولا بالكتب، ولا بالرسل.
  4. عقيدة الفلاسفة في اليوم الآخر

     المرفق    
    قال رحمه الله: [وأما اليوم الآخر فهم أشد الناس تكذيباً به وإنكاراً له، وعندهم أن هذا العالم لا يخرب] أي: أزلي أبدي، لا يخرب ولا ينقض نظامه، [ولا تنشق السماوات ولا تنفطر، ولا تنكدر النجوم، ولا تكور الشمس والقمر]، فهم يكذبون ما ذكره الله من ذلك، [ولا يقوم الناس من قبورهم، ويبعثون إلى جنة ونار، كل هذا عندهم أمثال مضروبة لتفهيم العوام، لا حقيقة لها في الخارج كما يفهم منها أتباع الرسل].
    وهذا حتى نعرف أن الشر في كل زمان ومكان له أساس واحد، فلو ظهرت اليوم فرقة عندها كفر وضلال؛ لوجدنا أن ما جاءت به من الكفر والضلال، أو الانحراف والبدع، يرجع إلى شيء موجود من قديم الزمان، قال تعالى: ((أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ))[الذاريات:53]، فهناك قدر من التشابه بين ضلال الفرق القديمة وضلال الفرق الحديثة.
    1. قول الفلاسفة بأن الجنة والنار إنما هي أمثال ولا حقيقة لها

      إن الفلاسفة لا يرون خالقاً ولا وحياً ولا شرعاً، والعاقل عندهم يفهم ويعرف بالعقل، فيتعظ وينزجر ويرتدع، ويعرف أن هذا يليق وهذا لا يليق، وأن هذا كمال وهذا نقص.. قالوا: لكن أكثر العوام وأكثر الناس كالبهائم، فلو قيل لأحدهم: إن الحكمة كذا.. وإن هذا لا يليق .. والعقل يمنع كذا.. فإنه لن يفهم ذلك، فلذلك جاء بعض الحكماء الذين كان عندهم نوع من الحكمة التربوية، أو المصلحين، ونقول: مصلحين؛ لأن الذي يقال في أوروبا وفي أمريكا اليوم: أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم مجرد مصلحين أو زعماء إصلاح، وليس هناك وحي ولا غيره، فهي نفس الفكرة، لكنهم عرضوها بشكل آخر.
      فهؤلاء المصلحون لما رأوا العوام كالدواب وكالأنعام، حثوهم على فعل الخير وترك الشر، ولكنهم لم يفهموا ولم يلتزموا؛ فضربوا لهم أمثالاً وقالوا: إن هناك جنة وناراً، فمن عمل الخير دخل الجنة، ومن عمل الشر دخل النار، فرغبوهم بهذه الأمثال وخوفوهم وضحكوا عليهم، وهذا وإن كان هذا فيه كذب كما هو مذكور، إلا أن فيه مصلحة لهؤلاء العوام الذين لا يفهمون!!
      إذاً: معنى ذلك: أولاً: أن الفلاسفة لا يحتاجون إلى هذا الكذب -والذي هو الوحي- ولهذا يرون أنفسهم فوق الدعوات.
      ولذلك يقول بعض الكتاب الغربيين: إن الإسلام أحدث انقلاباً عظيماً في حياة العرب، وحولهم من أمة همجية صحراوية إلى أمة ذات مجد وعراقة، ونبيهم إنما هو مجرد رجل وزعيم عبقري، عنده قوة تخييل وقوة نفس وقوة إدراك.
      والفلاسفة المعاصرون والمستشرقون قد لا يقولون بهذه الثلاثة الأمور نصاً، لكن المقصود والمؤدى واحد، فالدين عندهم سياسة مدنية، والنبوة مكتسبة.. وهكذا.
      إذاً: فهم لا يحتاجون إلى الوحي ولا إلى الدين؛ لأنه تخيلات لمصحلة العامة الذي لا يفهمون.
      ثانياً: يقولون: إن الله لم يرسل الأنبياء، وإنما هم دجالون كذبوا على الله وكذبوا على الناس، لكن هذا الكذب لمصلحة الجمهور.
      ولهذا فإن غلاة الشيعة وغلاة الصوفية والفلاسفة والقرامطة والباطنية.. كلها تلتقي في أصل واحد، فـالفلاسفة يقولون: إنه يمكن أن يهذب الإنسان نفسه بما جاءت به الرسل، فإذا تهذب عقله وأصبح لديه ملكة قوية، فإنه حينئذ يترك ما جاءت به الرسل ويفكر لنفسه. وكذلك الصوفية يقولون: على الأنسان أن يتعبد، فيصلي ويصوم ويحج، فإذا أتاه اليقين فلا حاجة حينئذ للعبادة؛ لأن الغرض من العبادة أن تصفو النفس حتى يصبح الإنسان قادراً على التلقي والكشف، فتكشف له الأمور ويخاطب، كما يقولون، ولو أن شخصاً وصل إلى درجة المكاشفة وهو لا زال يصلي، فإن هذا لا يليق به؛ لأن هذه العبادة إنما هي للعوام المريدين الذين هم في أول الطريق!
      ولهذا فإن ابن سبعين -وقد كان صوفياً- كان يبيت في غار حراء ليالي رجاء أن يأتيه الوحي فلا يأتيه، ثم ينزل إلى الحرم ويجلس عند الكعبة، ويرى الناس يطوفون، فيقول: إن هؤلاء يدورون كما تدور الحمر بالرحى! ولهذا كانوا كفاراً مرتدين خارجين عن دين الإسلام، وخارجين عن كل الملل، ولذلك فلو أن نصرانياً بل يهودياً أراد أن يترك اليهودية ويدخل في دين الفلسفة، فلا نقره؛ لأنه قد بدل دينه، على مفهوم بعض العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم: {من بدل دينه فاقتلوه}، وذلك لأنه خرج من دين كتابي إلى ملة غير كتابية، وإلى مبدأ كفري خبيث.
      ويعتقد الفلاسفة أن الأرواح هي التي تبعث فقط، أما الأجسام فلا تبعث، والعذاب والنعيم إنما يكون على الروح فقط، فليس هناك بعث حقيقي، ولا حساب، ولا ميزان، ولا صراط، ولا جنة ولا نار، وإنما هذه الأمور عبارة عن خيال بلا حقيقة.
      وهذه المسألة من المسائل التي يكفر بها الفلاسفة ويخرجون بها عن الملة عياذاً بالله!
  5. الفلاسفة طائفة ذليلة حقيرة

     المرفق    
    يقول المصنف: [فهذا إيمان هذه الطائفة الذليلة الحقيرة]، فقد وصفهم بالذل والحقارة؛ وذلك لأن من العجيب أنهم على قلتهم مختلفون، ولكل واحد منهم رأي، ولم يقم لهم في وقت من الأوقات مجتمع، ولم تكن هناك مدينة أو قرية عرفت بهم، وهذا دليل على أنها طائفة ذليلة حقيرة، ولم يكونوا كذلك لأنه ليس عندهم عقول ولا ذكاء؛ فقد كانوا أصحاب عقول وذكاء وعبقريات، ولكن الأمر كما قال تعالى: ((فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ))[الأحقاف:26]، فلما صرفوا هذا الذكاء في غير اتباع الوحي، كان حالهم كما قال بعض العلماء: إن حال هؤلاء الفلاسفة ومعهم المتكلمون، كحال رجل أراد أن يقرأ في علم الجغرافيا، فلم يطمئن لما وجد من مساحات ومقاسات، فأراد أن يتأكد بنفسه ويقيس كل ما قرأه!! فسوف يضيع وقته دون أن يصل إلى علم أو حقيقة.
    وقد يكون صاحب عقل وهمة، لكنه لما سلك طريقاً غير صحيح، وترك العلم النافع المهيأ المكتمل؛ لم يستفد شيئاً.
    وهكذا حال الفلاسفة، فإن القرآن والسنة فيهما كل ما يحتاجه الإنسان، وفيهما الترغيب في كل خير، والتحذير من كل شر، وفيهما جميع ما ينبغي لله تعالى من أسماء وصفات، وما يمتنع في حقه.. إلخ، لكن الفلاسفة أبوا إلا أن يفكروا في ذلك وألاَّ ينقادوا للوحي، فمثلهم كمثل الرجل الذي ذكرنا.