المادة كاملة    
أركان الإيمان وأصول الدين هي المذكورة في حديث جبريل عليه السلام؛ وقد اتفقت عليها الأنبياء والرسل عليهم السلام، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل، ولم ينكرها ويجحدها إلا الفلاسفة ومن سلك سبيلهم من أهل البدع، وهم متفاوتون في جحدها وإنكارها، لكن أعظم الناس إنكاراً لها هم الفلاسفة؛ فإن حقيقة قولهم عدم الإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر.
  1. بعد الفلسفة من الدين ومنافاتها لأصوله

     المرفق    
    قال الطحاوي رحمه الله:
    [ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين] .
    قال المصنف رحمه الله تعالى:
    هذه الأمور من أركان الإيمان، قال تعالى: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ))[البقرة:285] الآيات، وقال تعالى: ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ))[البقرة:177] الآية؛ فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة. بقوله: ((وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا))[النساء:136].
    وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته -حديث جبريل- وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان... فقال: {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره}، فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل
    ] اهـ.
    1. الفلسفة أساس الانحرافات

      الشرح:
      مبحث الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر هو من أيسر المباحث والحمد لله، وقد تعرض المصنف للموضوع من زاوية الرد على المنكرين والمخالفين، وعلى رأسهم: أشدهم إنكاراً ومخالفة، وهم الفلاسفة .
      إن مذهب الفلاسفة المبطلين مذهب قديم، وقد ركبت عليه ضلالات حديثة، والفساد والضلال والشر في العالم أصله واحد، لكن صوره تتعدد، وهؤلاء الفلاسفة هم أصل الشرك والانحراف والضلال الواقع في العالم، لا سيما في العصر الحديث؛ لأن ما تجدد من الإلحاد مبني على ما سوف نشرحه من كلامهم، فمن الضروري أن نعرف ما يتعرضون له من قضايا ولو إجمالاً ويجب أن يوجد في الأمة من يعلمها، ومن ثم يتصدى للرد على هؤلاء الفلاسفة.
      وللأسف فإنه لا يوجد في العالم الإسلامي إلا القليل ممن يستطيع أن يرد وينقد كلام الفلاسفة، بل قد لا يوجد إلا ما في كتب علم الكلام التي ترد كفر الفلاسفة ببدعة التأويل والتعطيل، ولا تردها بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن كتابها من المتكلمين الذين يدفعون شراً ويقعون في شر آخر، وقليل جداً من يدفع هذا الضلال بالحق المبين.
      وأفضل من كتب في الرد على الفلاسفة هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومن أيسر ما كتبه في ذلك: كتاب الرد على المنطقيين، وإن كان هو في الرد على المنطقيين، وليس على الفلاسفة، لكن الذين وضعوا علم المنطق هم الفلاسفة ؛ وقد استطرد شيخ الإسلام في بيان أنواعهم، وكذلك ما كتبه في أول كتاب منهاج السنة، ولكنه صعب للغاية، والرد على المنطقيين أيسر منه.
  2. إن الدين عند الله الإسلام

     المرفق    
    قال الإمام أبو جعفر الطحاوي: "ونؤمن بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين"، وقد شرح ذلك الإمام ابن أبي العز فقال: "هذه الأمور من أركان الإيمان"، إشارة إلى الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب المنزلة، ثم ذكر الحديث الدال على ذلك وهو حديث جبريل عليه السلام حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، وهو واضح الدلالة على أن الإيمان بالملائكة والنبيين والكتب من أركان الإيمان.
    ومعنى ذلك: أنه لا يكون مؤمناً من لم يؤمن بالملائكة، ولا يكون مؤمناً من لم يؤمن بالرسل جميعهم، ولا يكون مؤمناً من لم يؤمن بالكتب جميعها، فمن كفر ببعض فإنه ليس بمؤمن وإن آمن ببعض!
    وإذا قلنا: الإيمان بالله، أو قلنا: الإيمان، فإننا نعني الإيمان الذي ورد في كتاب الله تعالى وفي حديث جبريل، وهو الإيمان بهذه الأركان جميعاً؛ وإذا قلنا: فلان مؤمن، أو فلان مؤمن بالله، فنعني بذلك وصفه بالإيمان بما جاء في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أي: أن هذا الموصوف بهذه الصفة هو من أهل دين محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أتباع ملة إبراهيم، فمن آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو بطبيعة الحال مؤمن بجميع الكتب ومؤمن بجميع الرسل، لكن من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهو في الحقيقة كافر بجميع الكتب، وكافر بجميع الرسل.
    ولذلك لا يجوز أن نسمي اليهود والنصارى مؤمنين بأي حال من الأحوال؛ فإذا قيل: هم يؤمنون بالله أو يؤمنون بالملائكة أو ببعض الرسل، قلنا: هذا الكلام غير مقبول إطلاقاً؛ لقوله تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ))[آل عمران:19]، هذا هو الدين، وهذا هو الإيمان.
    وكل بشارة بالنجاة للمؤمنين كقوله تعالى: ((وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ))[يونس:2]، فإنما هي للمؤمنين المتقين الذين هم أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل في ذلك اليهود ولا النصارى بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم أبداً، أما قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهم من كان مؤمناً -وهم القلة- قال صلى الله عليه وسلم: {وإن الله نظر إلى أهل الأرض عربهم وعجمهم فمقتهم إلا بقايا من أهل الكتاب}، وهم الذين بقوا على التوحيد.
    والذي كان من أهل الكتاب على التوحيد، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنه يؤتى أجره مرتين؛ كما في حديث الثلاثة الذي يؤتون أجرهم مرتين: {ورجل آمن بنبيه ثم آمن بي}، وقال تعالى: ((أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ))[القصص:54].
    فالمقصود: أن من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم فلا يعد مؤمناً بالله، ولا بملائكته، ولا بكتبه، ولا برسله، ولا باليوم الآخر، ولا يستحق اسم الإيمان؛ لأن الله قد أخذ العهد والميثاق على الرسل أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: ((وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ))[آل عمران:81]، فأخذ الله الميثاق على الأنبياء أنه إذا جاء إليهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به، وأن يتبعوه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: {لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي}، أي: لو كان موسى عليه السلام بنفسه حياً لكان من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وعيسى بن مريم عليه السلام لو كان موجوداً على الأرض، لكان من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه إذا نزل في آخر الزمان وقتل المسيح الدجال، فإنه يكون على دين محمد صلى الله عليه وسلم، ويحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
    وعليه فإننا حين نقول: المؤمنون، أو المؤمنون بالله، فإنما نقصد بذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر قطعي لا يقبل النقاش.
    فمن دخل في دين الإسلام من أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فإنه يعد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من المؤمنين، ومن أبى فإنه لا يسمى مؤمناً، إلا أن يقيد إيمانه بحسب ما هو عليه؛ فيقال: يؤمن بدين اليهود، وإن كان يقر بوجود الله، وهو من أهل الشرك -كما كان حال العرب في الجاهلية- فلا يقال عنه: مؤمن بالله، بل يقال عنه: يؤمن بوجود الله، أو يؤمن بوجود خالق لهذا الكون، وأن الخالق هو الله، ولكنه ليس مسلماً؛ إذ ليس هو من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
    وهذا وأمثاله لا يدخلون الجنة؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا نفس مؤمنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بل لا توجد آية في القرآن علقت دخول الجنة على مجرد الإسلام، فلابد من الإيمان، وهي درجة أعلى من الإسلام، على ما سوف نفصله إن شاء الله.
    1. الأصابع الخفية وراء دعوة تقارب الأديان

      يجب أن نحذر من الدعوة التي يدعو إليها بعض الناس بقولهم: إنه يجب على المؤمنين بالله أن يتعاونوا ضد الملحدين؛ كما يقول ذلك كثير من الكتاب، ويزعمون أن هذا فيه توحيد لصف الإيمان ضد صف الإلحاد، ويقولون: لم لا نتعاون مع الكنيسة لوقف المد الشيوعي؛ فإننا -نحن والمسيحيين- نؤمن بالله، وهؤلاء الشيوعيون لا يعترفون بالله؟! وقد أعلن بعض الكتاب -وهذا من الكفر الصريح- أن اليهود والنصارى على دينٍ حقٍ، وأنهم مقبولون عند الله تعالى.. نسأل الله العفو والعافية.
      وقد كتب أحدهم معلقاً على مناظرة أحمد ديدات الداعية المعروف -بغض النظر عن رأينا في المناظرة نفسها- قائلاً: ليس هناك داع لهذه المناظرات، وليس هناك داع إلى أن ندخل أحداً في ديننا، أو ندعو أحداً إلى ديننا، ونحن الآن في عصر الحرية، والناس يعبدون ربهم كما يشاءون! وقد كان الدكتور أحمد زكي رئيس تحرير مجلة العربي الهالك ينادي بهذا المذهب، وقد نادى به مرات عديدة في مجلة العربي .
      ويوجد لهذا المذهب أيضاً دعاة في مصر وغيرها من البلاد العربية.
      والقول بأن هؤلاء من اليهود والنصارى الذين كفرهم الله في كتابه يعدون من المؤمنين بالله، هو من الكفر الصريح الذي لا يحتمل التأويل أبداً، ولا يمكن أن يقبله مسلم، فاليهود والنصارى هم أعداء الله، وأعداء نبيه صلى الله عليه وسلم في جميع الأزمنة، وهم أعداؤنا الذين حذرنا الله منهم، وأخبرنا بعداوتهم، ونهانا عن موالاتهم؛ فإن اليهود خاصة -ومعهم النصارى- هم الذين يديرون على الإسلام والمسلمين الحرب الضروس، فقد أرادوا أن يقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم، كما حصل ذلك في واقعة بني النضير، وفي آخر عمره صلى الله عليه وسلم بعد فتح خيبر عندما أهدت له اليهودية شاة مسمومة، فنهش منها نهشة، ولكن الله أنطقها وأخبرته أنها مسمومة، وهم كذلك يكيدون للإسلام وأهله؛ فهم أعداء النبوة، وقتلة الأنبياء؛ كما ذكر الله ذلك في القرآن: ((وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ))[البقرة:61]، ويكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم، فهل يمكن أن يكونوا بعد ذلك مؤمنين، وأن يدخلوا الجنة؟!!
      ومن هؤلاء الكتاب من يقول: إن قضيتنا ليست مع اليهود، قضيتنا مع الصهاينة فقط؛ لأنهم احتلوا فلسطين، أما اليهود فهم يؤمنون بالله وهم أصحاب كتاب، ونحن وإياهم في سلم!!! وهذه من القضايا الخطيرة جداً، وإن نادى بها من نادى، وإن زعمها من زعمها من الناس.
      وثالثة الأثافي ما قاله المدعو معروف الدواليبي : بأن المسلمين فهموا دين النصارى خطأً، وحسبوا أن النصارى تجعل ثلاثة آلهة، وليس الأمر كذلك؛ فإن النصارى حين قالوا: الأب والابن وروح القدس، إنما يقصدون أنها مجرد صفات لله، كما أن المسلمين يصفون الله بصفات كثيرة، وعلى هذا فلا فرق بيننا وبينهم!
      سبحان الله! هل هذا فهم فهمه المسلمون؟!! إن هذا هو ما قاله الله جل وعلا في كتابه: ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ))[المائدة:73]، فهل الله هو الذي فهم خطأً؟! تعالى الله وتقدس عما يقوله الظالمون!!
      ومن ثم فإن هذا الدكتور كاذب في دعواه أشد الكذب، ألم يقل الله: ((لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ))[المائدة:72]؟! وهم يقولون: إن الله هو المسيح، وإن الله ثالث ثلاثة، وهذا كلام رجال دينهم وكنائسهم، ولكنّ هذه النغمة الجديدة ما ظهرت إلا قريباً، حيث بدءوها في أوروبا، ثم صدروها إلينا؛ ليسخروا منا، ولتبقى الحرب الصليبية المستترة؛ لأنهم رأوا أن الحرب الصليبية المعلنة لا تجدي نفعاً، فحينما جاءوا في المرة الأولى يحملون الصليب، هزمناهم ورددناهم، أما في هذه المرة فقد حذروا أتباعهم من حمل الصليب، مع حملهم له في قلوبهم، أما أمامنا فلا يظهرونه، ولو أظهروه لتأهب لحربهم جميع المسلمين، فصاروا يأتون باسم الإنسانية، وباسم الأسرة الدولية، وباسم التعاون؛ ليحققوا نفس الأهداف التي كانوا يريدونها أيام الاحتلال الصليبي الأول، أو بدايات الاحتلال الصليبي الأخير، حين كانت المواجهة عسكرية.
  3. اليهود وراء دعوة تقارب الأديان

     المرفق    
    إن أول من ابتدع هذه الخطة الخبيثة هم اليهود الذين كانوا في أمريكا، وبالذات في أيام الرئيس روزفلت، ثم من بعده حين نشبت الحرب العالمية الأولى، وتعرض اليهود أيام هتلر للضغط، وهم أهل لذلك.
    وأما جورج واشنطن الذي أسس الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كتب وثيقة ما تزال محفوظة في أمريكا وموجودة إلى اليوم، يحذر أبناء أمريكا من دخول اليهود إلى أمريكا، يقول: إذا أردتم أن تبقى لكم هذه البلاد بخيراتها وبطيبها وبحياتها، وتعيشوا حياة حرة وسعيدة -إلى آخر ما أوصاهم به- فلا يدخل يهودي إلى هذه البلاد... والوثيقة لا تزال محفوظة ومعروفة عند الأمريكان.
    لكن اليهود بعد ذلك دخلوا وعبثوا بـأمريكا وبغيرها.
    فحين اشتد تأثير اليهود على السياسة الأمريكية ولا سيما أيام روزفلت، ثم من بعده، وبلغت ذروتها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في أيام إيزنهاور، الذي كان قائداً لجيوش الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.. في ذلك الوقت برزت الشيوعية كقوة دولية كبيرة، وقد كادت أن تسيطر على العالم، ولم يكد يبقى بلد في العالم إلا وفيه حزب شيوعي يخطط لكي يسيطر على ذلك البلد، وأعلن الشيوعيون في كل مكان أن الشيوعية هي دين المستقبل، وأن الوصول إلى الشيوعية أمر حتمي، بمعنى: أنه ليس هناك أي فكاك ولا فرار من ذلك، بل هي قدر مقدر على كل الأمم، وقد كانوا يخططون في الستينيات ألاّ يأتي عام (1970م) إلا وقد أصبح العالم كله تحت قبضة الشيوعية، والتي كان عدوها الأول الرأسماليين الأمريكان، واليهود هنا وهناك يربحون من الطرفين، فالمجلس السوفييتي الأعلى كان أكثر من ثلثي أعضائه من اليهود في تلك الأيام.
    إن العداوة بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي بدأت منذ ظهور الفكر الاشتراكي الذي كانت تسيره مطامع كبيرة في فرض سيطرته على العالم، وحين خافت الولايات المتحدة الأمريكية من الإلحاد الشيوعي، تبنت -وتبنى اليهود من ورائها- تلك الدعوة الخبيثة التي تقول بتوحيد العالم المؤمن بالله -كما يزعمون- للوقوف في وجه الشيوعية .
    وأول ما اهتموا به أنهم حلوا الخلاف بين اليهود والنصارى بطريقة مضحكة تثير السخرية لدى كل عاقل، فقرروا أن يعقد مجمع مسكوني -أي مجمع عالمي نسبة إلى المسكونة وهي الأرض- ويبرئ اليهود من دم المسيح، حتى تزول العداوة بين اليهود وبين النصارى.
    لقد قال الله تعالى عنهم: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ))[التوبة:31]، وجاء في حديث عدي بن حاتم الذي أورده العلماء في تفسير هذه الآية، قال عدي: {يا رسول الله! ما عبدناهم، قال: أليسوا يحلون لكم الحرام ويحرمون لكم الحلال فتتبعونهم؟ قال: بلى، قال: فتلك عبادتهم} فهم قد غيروا في الشرائع، لكن القضية التي تثير السخرية أنهم غيروا أعظم قضية في دينهم، فلو أن أي إنسان استمع إلى إذاعة صوت الإنجيل من السودان أو الحبشة أو بيروت -وهي إذاعات كثيرة جداً- أو قرأ في الأناجيل؛ لوجد أن أكبر قضية في دين النصارى -التي يكررونها كل ساعة وكل حين- هي قضية صلب عيسى، وأنه قتل وصلب ليخلص الناس من الخطيئة -بزعمهم- ولهذا يقولون: تعالوا أيها الناس إلى الخلاص وآمنوا بيسوع! وهذا الكلام يكرر دائماً في إذاعاتهم، وهم يعلمون أن اليهود قد قبضوا على المسيح -كما في أناجيلهم- ومن ثم أخذوه وسلموه إلى القائد الروماني، وقالوا له: هذا يقول كذا في قيصر، ونحن من أتباع قيصر، وأشرفوا بأنفسهم على القتل، حيث جاءوا به في الليل وجاءوا بالمشاعل، واجتمعوا لصلبه، وبعد ذلك يبدأ النصارى بالنواح ووصف عملية صلب المسيح، وكيف رأته مريم المجدلية ... إلى آخر ما هنالك من كذب وافتراء، وقد قال الله وقوله الحق: ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ))[النساء:157].
    ولذلك فإن كل نصراني في الدنيا هو أعدى عدو لليهود، ولما سيطر النصارى على الأندلس وأصبح اسمها أسبانيا، قتلوا وفتكوا بيهود الأندلس فتكاً ذريعاً، فهربوا إلى الدولة العثمانية، وأقاموا في مدينة سلانيك وما حولها، وهناك تجمع اليهود وخططوا للقضاء على الدولة العثمانية؛ لأنهم مجرمون قتلة ومصاصو دماء، لا عهد لهم ولا أمان ولا ذمة.
    فكان النصارى يضطهدون اليهود أشد الاضطهاد؛ ففي القرون الوسطى، وفي تاريخ أوروبا كله، والباباوات يصدرون أوامرهم ضد اليهود في كل مكان، ومن العجائب التي هي أشبه بالنكتة أنه اجتاح أوروبا في القرن السابع عشر طاعون عظيم جداً فتك بأكثر الأوروبيين في جميع الدول، وقتل كثيراً منهم، وهم يسمونه: الوباء الأسود، وهو معروف في التاريخ الأوروبي، فأعلن البابا من الكنيسة في روما قائلاً: إن سبب هذا الوباء هم اليهود الذين قتلوا المسيح، والذين يأكلون الربا ويزنون.
    ولو أخذت أي قاموس من قواميس اللغات الأوروبية، وبحثت عن كلمة (يهودي)، فإنك ستجد أن معناها: البخيل.. الجشع.. الديوث.. الكافر.. الملحد، وأكبر سبة تطلق على الإنسان الأوروبي والنصراني أن يقال له: يا يهودي، وهذه حقائق معروفة.
    وفي عام (1963م) اجتمع رجال الدين النصارى وصدر قرار من القساوسة جميعاً بتبرئة اليهود من دم المسيح، وهذا دليل على سيطرة الصهيونية ؛ وسبب ذلك: أن اليهود قالوا: ليس لنا من حل للقضاء على النصارى وعلى المسلمين إلا بأن ندخل في دينهم، فدخل بعضهم في دين الإسلام، ومنهم عبد الله بن سبأ اليهودي، ودخل بعضهم في دين النصارى، فإن بولس الذي غير دين النصارى هو أصلاً يهودي اسمه شاؤول، وبعض خلفاء المسلمين كان لديهم أطباء يهود، حتى قيل: إن محمد الفاتح حين فتح القسطنطينية وهزم أوروبا أكبر هزيمة في تاريخها، دسوا له طبيباً يهودياً فقتله.
    فكان من سياسية اليهود أنهم دخلوا في دين النصارى، وترقوا فيه، وحفظوا الأناجيل، حتى أصبح منهم البابا الأكبر، فهو في الباطن يهودي، وفي الظاهر نصراني، وتتلقى الكنائس في أنحاء العالم توجيهاتها منه، ويبعث بالمبشرين إلى كل بلاد العالم، وقد استطاعوا أن يشغلوا مناصب مهمة كالقساوسة الكبار -برتبة كاردنال- فعند ذلك وضعوا هذه الخطة، وبرءوا اليهود من دم المسيح، وأعلنوا قيام جبهة عالمية موحدة ضد الشيوعية، وقالوا: الآن ننسى الخلافات التي بيننا كيهود ونصارى؛ لنقف صفاً واحداً ضد الشيوعية، فهم -علناً- ضد الشيوعية، وفي السر يقفون ضد العالم الإسلامي، وضد المؤمنين الحقيقيين.
    ولما كانت المجتمعات الإسلامية في تلك الأيام تخاف على نفسها من الشيوعية، فقد خضعت هذه المجتمعات لضغط النصارى واليهود في إنشاء مجالس عُليا لمحاربة الشيوعية، بحيث يكون هناك تنسيق بين هذه المجالس، وبين هذه المنظمات، ويكون هناك حوار -يسمونه الحوار المسيحي الإسلامي- ليقف المسلمون والنصارى معاً ضد الشيوعية.
    وقد قامت في أندونيسيا -وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان- ثورة شيوعية كبيرة جداً، وحكمها الشيوعيون عدة أيام، ولكن قضي عليها، كما كادت أن تسيطر الشيوعية في السودان بسبب الانقلاب الشيوعي، الذي لم يستمر سوى ثلاثة أيام، ثم قضي عليه، وحدث مثل ذلك في بعض الدول الأخرى، وكانت الشيوعية في الفترة (1380-1390) تهدد كل البلاد الإسلامية، مما حدا باليهود والنصارى إلى استغلال تلك الأوضاع لطرح مسألة التوحد بين المؤمنين بالله ضد المنكرين لوجود الله، الذين لا يؤمنون بالله، فحقق اليهود والنصارى مكاسب عظيمة، تمثلت في القضاء على الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، والتي تحولت إلى نوع من رأسمالية الطبقة الحاكمة لا أقل ولا أكثر! وقضي على زعماء الشيوعية الكبار في العالم، وبقيت المكاسب الأهم التي يريدها اليهود والنصارى من الترويج لهذه البدعة الملحدة، وهي تخدير المسلمين لئلا يلتفوا حول كتاب ربهم وسنة نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولئلا يثيروا الأمة الإسلامية لمعاداتهم؛ لأنهم يعلمون أنهم إذا عادتهم الأمة الإسلامية، فإنه لن يقف في وجهها أحد، وهي أشد خطراً عليهم من الشيوعية، ومن كل داء يمكن أن يتصوروه، ومن كل عدو يمكن أن يحاربوه، كما يرون أن إسرائيل لها الحق في الوجود على أرض المسلمين؛ لذلك رأوا ضرورة إقصاء مسألة الدين تماماً من المعركة؛ حتى لا تكون المعركة بين يهود ومسلمين؛ حتى إن أمريكا سمت القضية قضية الشرق الأوسط، لتوحي بأنها مشكلة جغرافية، وليست دينية.
    وصارت أمريكا -والغرب الصليبي كلهم كذلك عموماً- تقف إلى جانب دولة إسرائيل بكل وقاحة في كل قضية، وفي شتى المحافل، ويصوتون بالفيتو ضد أي قرار يتعارض مع مصلحة دولة إسرائيل.
    المقصود: أن المؤمن بالله هو من كان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن كان يؤمن بالله الذي أنزل هذا القرآن وعمل به، أما أن يؤمن اليهود بعزير، ويؤمن النصارى بالتثليث وبعبادة الصليب، وبأن عيسى ابن الله، ثم يقولون عن أنفسهم: إنهم مؤمنون بالله. فنقول: بل هذا هو عين الكفر ورأس الضلال.
    إن محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخرج بالناس عام تبوك في ساعة العسرة وفي ذلك الضيق والشدة، إلا ليحارب النصارى، كما أخرج من المدينة يهود بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وحاربهم، فكيف يكون اليهود والنصارى مؤمنين؟! وكيف نعتبرهم من المؤمنين بالله وهم أعدى أعداء الله؟! وهم الذين قال الله لرسوله فيهم: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ))[البقرة:120]؟! إن هذا من المستحيلات، وهو أكذب الدعاوى، ومن ظن أنه يمكن أن نلتقي نحن واليهود والنصارى على كلمةٍ سواءٍ غير التوحيد وغير الإيمان؛ فهو مثلهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب لزعيم النصارى هرقل يقول له: {من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، و: (( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ))[آل عمران:64]}.
    إذاً نحن المسلمون وهم الكافرون، هذا هو دين الله، والكلمة السواء هي التوحيد، أما أن نجتمع مع من يقول: إن عيسى ابن الله، أو إن الله ثالث ثلاثة، فهذا كفر وضلال، وتكذيب لرب العالمين ولخاتم المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، ومن كان يدعو إلى هذا، فإن من أهدافه أن ينتشر التنصير في بلاد المسلمين؛ لأننا إذا أقررنا أنهم على شيء، فلماذا لا نفتح لهم كنائس في بلادنا وإذاعات ليدعوا إلى عقيدتهم بكل حرية؟! ثم يأتي من ينسب إلى الإسلام ليقول: أحبابنا وإخواننا النصارى، وإخواننا الأقباط.. ومتى كانوا إخواننا؟!!
  4. أصول الدين الإسلامي

     المرفق    
    إن الأصل الأول من أصول دين الإسلام: أن نؤمن بالله، والإيمان بالله أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نوحده ونطيعه، ونتبع ما جاء به، ونصدق بكتبه ورسله واليوم الآخر.
    وقد ورد الأمر بالإيمان في القرآن على صور شتى؛ فتارةً يرد الأمر بالإيمان بالله دون ذكر بقية الأركان، وتارة يرد الأمر بالإيمان بالله ورسله، وتارة يرد الأمر بالإيمان بالله ورسله وكتبه وملائكته، وتارة بزيادة اليوم الآخر، فإذا قلنا: الإيمان بالله، فإنه يدخل فيه الإيمان بالملائكة؛ لأنهم عباد الله المكرمون، الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ويدخل فيه الإيمان بالكتب؛ لأنها كلامه، ويدخل فيه الإيمان بالرسل؛ لأنهم عباده، اصطفاهم واختارهم، وأنزل عليهم الكتب. فالإيمان بالله يدخل فيه كل هذه الأمور، وإذا قيل: الإيمان بالله ورسله، فالحكمة أيضاً ظاهرة في ذلك، فالإيمان بالله واضح، أما الإيمان بالرسل فلأنهم الذين بلغوا دين الله وعرفوا الناس بالله، وأن له ملائكة وله جنةً وناراً، وغير ذلك، لذا يجب أن نؤمن بالله وبرسل الله، وهذا يدخل فيه الإيمان بالملائكة والكتب وغير ذلك.
    فإن فُصِّل وطلب منا الإيمان بالله وملائكته ورسله، فلأن الوحي الذي أنزله الله على رسله، إنما نزل به رسل الله من الملائكة، وهو أشرف عمل تقوم به الملائكة، وأعظم الملائكة وأشرفهم هو جبريل، الذي هو الروح الأمين، ورسول رب العالمين إلى من يصطفيه الله من عباده.
    فإذا ذكر الإيمان بالله وملائكته ورسله، فالحكمة في ذلك ظاهرة، فإذا أضيفت الكتب فلأنها النور الذي أنزله الله بواسطة هذا الملك إلى هذا الرسول، وإذا ذكر اليوم الآخر فهو الغرض والأساس، فمن لم يؤمن باليوم الآخر فليس بمؤمن بالله، وصلاح أعمالنا في هذه الدنيا يتوقف على الإيمان بالآخرة، وفسادها بإنكار اليوم الآخر.
    إذاً: أصول الدين عندنا خمسة؛ وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وفي حديث جبريل ذكر أصلاً سادساً هو الإيمان بالقدر، وهو يدخل تحت أصل الإيمان بالله؛ لأن مراتب القدر أربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق؛ فالعلم هو علم الله، والكتابة هي كتابة الله، والمشيئة مشيئة الله، والخلق خلق الله، فالإيمان بالقدر هو في الحقيقة يدخل ضمن الإيمان بالله، وقد أفرد في حديث جبريل لأهميته، كما سبق في مباحث القدر.
    يقول المصنف: [هذه الأمور من أركان الإيمان، قال تعالى: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ))[البقرة:285] الآيات]، فذكر الله تعالى في هذه الآية أربعة أصول: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، قال: [وقال تعالى: ((لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ))[البقرة:177] الآية]، فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أصول الإيمان الخمسة، فزاد الإيمان باليوم الآخر لأهميته؛ بل قدمه بعد الإيمان بالله.
    قال المصنف: [فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين، كما جعل الكافرين من كفر بهذه الجملة بقوله تعالى: ((وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا))[النساء:136]...].
    إذاً: المؤمن مطالب بأن يؤمن بهذه الأمور الخمسة، ومن كفر بها فهو الكافر.. هذا هو المعيار، وهذا هو مقياس الإيمان، فهذه الأصول الخمسة هي أصول الإيمان، ومعنى أصوله: أركانه وأسسه التي يقوم عليها بناؤه.
    أما الفرق الضالة فقد وضعت محلها أصولاً أخرى، سوف نبينها إن شاء الله.
    1. أهمية حديث جبريل في بيان أصول الدين

      قال المصنف رحمه الله: [وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق على صحته -حديث جبريل- وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان... فقال : {أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره}، فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه، ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل].
      هذا الحديث -حديث جبريل- من أعظم الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك اختلاف في الصحابي الذي رواه، كما أن هناك اختلافاً في ألفاظه، فقد رواه الإمام مسلم في أول الصحيح عن عبد الله بن عمر عن عمر، وهي أتم الروايات، وقد رواها غيره بأسانيد صحيحة، كالإمام ابن مندة في كتاب الإيمان، وأما الإمام البخاري فقد رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ أوجز من رواية الإمام مسلم.
      وقد ذكرنا أهمية هذا الحديث، ومما يدل على أهميته: مجيء جبريل بنفسه إلى رسول الله وحوله صحابته، وجبريل يسأله ويصدقه في نفس الوقت، وهذا النوع من الحديث يسمى: العرض، وهو أعلى درجات الوحي، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ الكلام من عنده، فقال: الإيمان ستة أركان، هي كذا وكذا، والإسلام خمسة، هي كذا وكذا؛ والإحسان هو كذا وكذا، لما كانت قوة هذا الحديث -مع أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله حق- بتلك القوة التي نشأت عن مجيء جبريل، وخاصة أن جبريل دخل على الصحابة بتلك الهيئة، كما قال عمر رضي الله عنه: {بينا نحن جلوس عند رسول الله، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد}، فهو رجل مهيب ولا يعرفه أحد، ثم أخذ يسأل النبي صلى الله عليه وسلم ويصدقه؛ قال عمر رضي الله عنه: {فعجبنا له يسأله ويصدقه!}، فهذا ليس بأعرابي جاء من البادية، فإن الأعراب مظهرهم غير هذا المظهر، وأسئلتهم غير هذه الأسئلة، وليس عندهم علم حتى يصدقوا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس هذا السائل من علماء الصحابة، فالصحابة كلهم متعارفون، إذاً فقد كان السائل غريباً؛ قال عمر: {لا يعرفه منها أحد}، فلما ذهب قال صلى الله عليه وسلم لـعمر: {هل تدري من السائل؟ قال عمر: فقلت: الله ورسوله أعلم! قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم}.
      ومن أهمية هذا الحديث: أنه كان في آخر عمره صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه من حجة الوداع وقبيل موته ببضع وثمانين ليلة، فكان هذا الحديث بعد أن اكتمل الدين، وتم التشريع.
      والأركان التي ذكرت في هذا الحديث لم تذكر مجتمعة في حديث غيره، وإنما ذكرت متفرقة في عدة أحاديث، ومن هنا كان هذا الحديث أشرف حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    2. موقف الفلاسفة من أصول الدين

      قال المصنف رحمه الله: [فهذه الأصول التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه] يعني: هذه الأصول الخمسة: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، قال: [ولم يؤمن بها حقيقة الإيمان إلا أتباع الرسل] أي: لم يؤمن بها الإيمان الذي يقبله الله إلا أتباع الرسل.
      وعلى هذا: فمن آمن بالله والملائكة والكتب من غير اتباع للرسل، فهو لم يؤمن بالله على الحقيقة، وما عرف الله حق معرفته؛ بل قد ضل ضلالاً بعيداً.
      وأخذ رحمه الله يمثل لأكبر وأوضح نموذج للأعداء المخالفين لمنهج الرسل فقال: [وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع، فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها، وأعظم الناس لها إنكاراً الفلاسفة المسمّون عند من يعظمهم بالحكماء؛ فإن من علم حقيقة قولهم؛ علم أنهم لم يؤمنوا بالله ولا رسله ولا كتبه ولا ملائكته ولا باليوم الآخر]
      إن الإنسان -بقدر مخالفته لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبقدر مخالفته لما جاءت به الرسل- ينقص إيمانه، ثم يبعد بعداً كلياً عن الإيمان، كما هو حال الفلاسفة .
      والفلاسفة ليسوا منكرين لوجود الله، فلم يعهد عن أمة من الأمم أو طائفة معروفة من بني آدم أنها تنكر وجود الله إنكاراً كلياً، وإنما ظهر هذا الإلحاد الخبيث في القرون المتأخرة، وعلى أيدي شواذ، وبسبب ردود فعل معينة.
      والمقصود: أن الفلاسفة الأولين لم يكونوا ينكرون وجود الله إنكاراً كلياً، ولا يقولون: ليس هناك إله، وإنما كانوا يفسرون الإيمان بالله وبالملائكة تفسيرات ضالة، ومن هنا تعرض المصنفللفلاسفة، وهو يقصد هنا الفلاسفة الإسلاميين، أي: المنتسبين إلى الإسلام، وإلا فالإسلام ليس فيه فلسفة.
      فالمنتسبون للإسلام من الفلاسفة هم الذين يلبسون على المسلمين، ويقولون: نحن نؤمن بالله مثلكم؛ لكن الله كذا وكذا، ونؤمن بالملائكة؛ لكن الملائكة عندنا كذا وكذا، ونؤمن بالقرآن؛ لكنه عندنا كذا وكذا، على ما سوف يأتي تفصيله.
      أما غير الفلاسفة الإسلاميين؛ فإنهم يختلفون؛ فـفلاسفة كل دين بحسبه؛ فإن فلاسفة اليهود يأخذون من اليهودية، ويقاربونها، وفلاسفة النصارى يأخذون من النصرانية ويقاربونها.