ما وقع فيه بعض النَّاس من أخطاء في موضوع الإسراء والمعراج في الكتب وغيرها كثير، كثيرة، ولكنني اخترت كتاباً اسمه الإسراء والمعراج، إعداد وتقديم رياض العبد الله وهو أعده من كلام الشيخ مُحَمَّد الشعراوي، وفيه بعض الأخطاء بلا شك، منها نفس الكلام الذي ذكره الشيخ مُحَمَّد الغزالي، وهي من تعليقات رياض العبد الله فيه (وكلمة البراق يشير اشتقاقها من البرق، أي: أن قوة من الكهرباء قد سخرت في هذه الرحلة العجيبة والخارقة لقوانين البشر، ولكن كيف تم ذلك والجسم في حالته المعتادة يتعذر عليه النقل في الآفاق بسرعة البرق الخاطف.
إذاً: لا بد من أن يكون هناك إعداد خاص يحصن أجهزته ومكان لهذا السفر البعيد، ولتلك السرعة الخارقة وما أحسب أن ما روي من شق صدره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغسل القلب وحشوه إنما هو رمز لهذا الإعداد المحفوظ) هذا نفس كلام الشيخ مُحَمَّد الغزالي في فقه السيرة.
والشيخ الشعراوي ينفي أن يكون هناك زمن لحالة المعراج العملية فهو لم يستغرق أي زمن.
يقول: (وكما يقولون: إن المسافة تتناسب مع القوة تناسباً عكسياً فكلما ازدادت القوة قصرت المسافة، والقوة التي فعلت هي قوة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فنجد عندئذٍ أن النتيجة لا زمن فعندما يأتي شخص ويقول لك ما دام أنه لا زمن، فلماذا أخذ ليلة للرحلة؟ نقول له: هناك فرق بين حدث الإسراء في ذاته كنقله، وبين مرائي تعرض لها الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين تعرض لمرائي رآها هو ببشريته وبقانونه فالمرائي المشاهد التي تعرض لها هي التي احتاجت للزمن، أما النقلة ذاتها فلا تحتاج إِلَى زمن، لأنها محمولة عَلَى قانون ليس يتحكم فيه الزمن. فالذين ناقشوا رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هم جماعة يعطون صورة من عقلهم بأنهم قارنوا مقارنة غير موضوعية) ونفي الزمن سواء في الانتقال بالبراق إِلَى بيت المقدس أو إِلَى السماء هذا معنى كلامهم.
وليس هناك ما يستدعي، أننا ننفي الزمن نهائياً لكي نبرهن ونثبت للمشركين أن الإسراء والمعراج ممكن، وأن مقارنتهم كانت غير موضوعية، فما المانع في أن تكون المسافة إلى بيت المقدس شهراً، وتكون فرضاً دقيقة أو عشر ثوانٍ عَلَى البراق؟
حقيقةً ليس هناك أي دليل، ولا يجوز القول في أي مسألة بغير علم، وهذه المسألة تشكل عَلَى الذين يدرسون النظريات الحديثة التي تتعلق بموضوع الزمن، فالشيخ هنا فيما يبدو تأثر بالنظرية التي تسمى "النسبية العامة" التي تحدث عنها إنشتاين، يقول إنشتاين: "إنه ما دام أن سرعة الضوء ثلاثمائة ألف كيلو في الثانية إذاً الضوء عندما ينتقل في مسافة تعدل قطر الأرض -مثلاً- فهذه العملية تمت في ألاّ زمن"
والمقصود من كلامه هذا ليس إنكار وجود الزمن، وإنما المقصود السرعة العظيمة ليبرهن عَلَى سرعة الضوء العجيبة، وأنها تنتقل في سرعة لا يمكن أن نقيسها بمعيارنا الزمني الذي نتعارف عليه، فهذا شيء لا يدل عَلَى نفي الزمن في الواقع، بل نفس نظرية النسبية التي اشتهر بها إنشتاين وهي: "النسبية العامة، والنسبية الخاصة".
فالنسبية العامة: أضافت إِلَى الأبعاد الثلاثة، البعد الرابع: وهو الزمن، فالنظرية مركبة عَلَى قضية الزمن، وعلى إثبات الزمن، لكن فحوى النظرية أن الزمن المعهود لنا يتلاشى مع هذه الأبعاد الهائلة مع سرعة الضوء. فأرقامنا وأحاسيسنا وشعورنا هو في حدود عالمنا الذي نعيش فيه، هذا بالنسبة لعالمنا، لكن بالنسبة إِلَى الكون: الأمر أكبر من أن نستطيع أن ندركه أو أن نفكر فيه، فمثلاً: لو مرت سيارة فإنك تستطيع أن تراها، مهما كانت سرعتها ولو مرت طائرة فإنك أيضاً تستطيع أن تراها في مسافة معينة، لكن لو تضاعفت سرعة الطائرة حتى صارت مثل سرعة الضوء فلا تستطيع أن تراها لأن رؤيتك للشيء تحتاج إِلَى زمن ولو ثانية.
وسرعة الضوء في الثانية ثلاثمائة ألف كيلو، هذا مجرد الأفق الذي أمامك، فهو لا ينفى الزمن، وإنما يقول: إن الزمن نسبي، فبالنسبة لنا الزمن شيء، وبالنسبة إِلَى ما عدانا شيء آخر، فعلى هذا لا نستطيع أن ننفي الزمن بلا دليل عندنا، وكما جَاءَ في الأحاديث أن الله تَعَالَى بين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عرج به في أول الليل، ثُمَّ عاد في آخره، وحصلت هذه المشاهد.
القضية الأخرى: وهي أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بثلاث مراحل، يقول رياض العبد الله صـ51: "إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذه المسألة تعرض لثلاث مراحل، المرحلة الأولى: كَانَ بشراً وجبريل عَلَيْهِ السَّلام يعرض عَلَى مُحَمَّد الأشياء، ثُمَّ يقول: ما هذا يا جبريل فَيَقُولُ: هذا كذا وهذا كذا، وجبريل يعرف أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يراها فيسأل عنها جبريل، المهم أن هذه حالة البشرية.
المرحلة الثانية: لما صعد في السماء كَانَ يرى المرائي فلا يستفهم جبريل عنها ويسمع فيفهم إذاً: فقد تحول شيء في ذاتية مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -لم يذكرها لكنه ربما نواها- وأصبحت له ذاتية فاهمة بلا واسطة جبريل عَلَيْهِ السَّلام، وهذه الحقيقة ليس لها أساس عند تأمل الحديث، فالقضية واحدة فهو يسأله في الطريق كلها، يقول: (أصبحت له ذاتية فاهمة بلا واسطة جبريل عَلَيْهِ السَّلام ورائية بلا واسطة أحد -أي: فاهمة ورائية من غير واسطة- ففي الأرض إرائة وأما في السماء فقد رأى بالرؤية، ثُمَّ بعد ذلك نجد أنه بعد أن انتقل إِلَى مرحلة يكون فيها ملائكياً كالملائكة فهو يراهم، ويتكلم معهم، ويخاطبهم ويفهم منهم).
المرحلة الثالثة: ويدخل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرحلة ثالثة فوق مرحلة الملائكية.
يقول: (يزج بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبحات النور، ولم يكن جبريل معه، وهذا دليل عَلَى أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد ارتقى ارتقاءً آخر، ونُقِلَ من ملائكية لا قدرة لها عَلَى ما وراء سدرة المنتهى، إِلَى شيء من الممكن أن يتحمل ما وراء سدرة المنتهى، ودون مصاحبة جبريل عَلَيْهِ السَّلام.
إذاً فسيدنا مُحَمَّد كَانَ بشراً في الأرض مع جبريل وبعد ذلك كانت له ملائكية مع الرسل ومع جبريل في السماء، وبعد ذلك كَانَ له وضع آخر ارتقى به من الملائكية حتى أن جبريل نفسه يقول له: أنا لو تقدمت لاحترقت، وأنت لو تقدمت لاخترقت... إلخ).
وهذا الكلام ليس عليه أي دليل من الأحاديث ولا من الآيات عَلَى الإطلاق بأن شخصية النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرت بثلاث مراحل، وتحولت ثلاث تحولات بشرية ثُمَّ ملائكية ثُمَّ أعلى من الملائكية
، لأن الأعلى من ذلك هو الألوهية، وقد يخطر ذلك عَلَى كثير من الناس، وهذا مما نهى عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهو من الإطراء والغلو ونتيجة استخدام مجرد النظر والرأي والتفكير في أمر ليس هو موضع تفكير، وإنما هو موضع تسهيل وبحث في الأدلة، فنقرأ الأدلة ونؤمن بها ونصدق بما جاءت به، ولا نجعل الخيال يشطح ليتصور ويتفلسف من عنده دون أي دليل ولا برهان من كتاب الله ولا من سنة رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والعجيب أن المقدم والمعد رياض العبد الله أراد أن يوثق الموضوع ويبرهن عَلَى كلامه من شجرة الكون للشيخ محيي الدين بن عربي، الذي ليس بحجة ولا يرجع إليه؛ لأنه كافر بإجماع كل من كتب عنه من أئمة الْمُسْلِمِينَ الموثوقين، فهو من أصحاب وحدة الوجود.
يقول ابن عربي: (إنه يقول: يا مُحَمَّد إذا كَانَ العرش مشوقاً إليك فكيف لا أكون خادماً بين يديك، فقرب له مركبه الأول وهو البراق إِلَى بيت المقدس، ثُمَّ المركب الثاني وهو: المعراج إِلَى السماء الدنيا، ثُمَّ المركب الثالث وهو: أجنحة الملائكة من سماء إِلَى سماء، وهكذا إِلَى السماء السابعة، ثُمَّ المركب الرابع وهو: أجنحة جبريل عَلَيْهِ السَّلام إِلَى سدرة المنتهى، وهنا تخلف جبريل عَلَيْهِ السَّلام عند سدرة المنتهى، فقَالَ: يا جبريل نَحْنُ الليلة أضيافك، فكيف يتخلف المضيف عن ضيفه أهاهنا يترك الخليل خليله، فقَالَ: يا مُحَمَّد أنت ضيف الكريم ومدعو القديم، ولو تقدمتُ الآن بقدر أنملة لاحترقت، كقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:((وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ))[الصافات:164]).
ثُمَّ قَالَ: (قال: يا جبريل إذا كَانَ كذلك ألك حاجة؟ قَالَ: نعم، إذا انتهى بك الهوج حيث لا منتهى، وقيل لك: ها أنت وها أنا، فاذكرني عند ربك، ثُمَّ زج به جبريل عَلَيْهِ السَّلام زجة فخرق سبعين ألف حجاب من النور... إلخ) وهذا الكلام كله لا دليل عليه، والآية: ((وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ))[الصافات:164] أي: الملائكة، كما في تفسير ابن كثير أو الطبري فكل ملك من الملائكة له مقام معلوم، فما من موضع شبر في السماء إلا وفيه ملك راكع أو ساجد، كما أمرهم الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فالحفظة لهم مقام معلوم، والكرام الكاتبون لهم مقام معلوم، والكربيون لهم مقام معلوم، والذين يوكلون بالغيث والقطر والجبال لهم مقام معلوم، وكل منهم له مقام معلوم.

وإنما أحببنا أن ننبه إِلَى مثل هذه الأخطاء لشيوعها وانتشارها ولكثرة من سأل عنها من الإخوان.