ومما يجب أن نعتبر به وأن نجعله نصب أعيننا عظم شأن الصلاة، هذه الفريضة التي لم يشرعها الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأرض ولو شاء لفعل ذلك، ولكن لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حكمة في أن تشرع في الملأ الأعلى، ويستدعى الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك، ولا يكون ذلك إلا في أعظم المهمات، وأفضل الطاعات.
فمثلاً: ولله المثل الأعلى، لو أن ملكاً أوسلطاناً أهمه أمر يحب أن يبلغه من يقوم في شأن من الشؤون، فإنه إذا كَانَ الأمر عظيماً فإنه سيستدعيه ليبلغ إياه، وبهذه العبرة العظيمة نعرف قدر الصلاة وشأنها، ورسولنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يدور في خلده، ولا يخطر بباله أن أمته سوف تضيع الصلاة، ولهذا سأل جبريل عَلَيْهِ السَّلام، أتترك أمتي الصلاة؟ وهي آخر ما يفقد من الدين كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {تنقض عرى الإسلام عروة عروة، فكلما نقضت عروة تشبث النَّاس بالتي تليها فأولهن نقضاً الحكم بما أنزل الله وآخرهن الصلاة}.
وفي الحديث الآخر: {أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخره الصلاة} هذه آخر ما يفقد من الدين وقد فقدت إلا من رحم الله، وقد ظهر التهاون في شأنها وعدم المبالاة بها.
ومما يجب أن نستشعره ونستحضره ونحن نقرأ هذه الآيات البينات، ما جرى في الإسراء والمعراج من بيان عظمة الصلاة، وعظمة الدعوة إليها، وشأن الصابرين عليها، وضرورة أن يكون في هذه الأمة من يدعو إِلَى الصلاة ومن ينصح بإقامتها كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ))[الحج:41] فلو أقيمت الصلاة حق إقامتها وصليت حق صلاتها لتغيرت حياة النَّاس اليوم، ولكن ضيعت الصلاة.
ثُمَّ إن كثيراً من الدعاة لا يبالي بتضييع الصلاة فلا يجعل الصلاة أكبر همه بعد التوحيد، وهذا مخالف لهدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدعوة، فإنه لما بعث معاذاً إلى اليمن، أخبره {إنك تأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا ألا إله إلا الله}، وفي رواية {توحيد الله} وفي رواية {عبادة الله عَزَّ وَجَلَّ} وكلها صحيحة؛ لأن عبادة الله لا تكون إلا بتوحيد الله وكلمة لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد فالمعنى كله واحد.
{فإن هم أجابوك لذلك فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة} هذه درجة ثانية ندعو إليها بعد التوحيد.
{فإن هم أجابوك لذلك، فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم زكاةً تؤخذ من أغنيائهم فترد عَلَى فقرائهم} فدعوتنا إِلَى أن يعبد الله وحده فلا يُدعى ولا يُخاف ولا يُخشى ولا يُرجى إلا هو وحده لا شريك له، ولا ينذر ولا يذبح إلا له سبحانه، وتكون له الطاعة، ولا كلام لأحد بين يدي كلام الله، ولا بين يدي كلام رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ بل توحيد مطلق، ثُمَّ بعد ذلك ندعو إِلَى الصلاة، فإنها من شعائر التوحيد، ومما يمكِّن التوحيد في القلوب.

وليس من العبر الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، إذ لو كَانَ مشروعاً لما فات الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فعله، ثُمَّ يأتي خوالف في القرن التاسع أو العاشر فيقولون لا بد أن نحتفل.