كلمة الجهة محتملة وفيها لبس، ولابد من التفصيل فيها لنعرف المعنى الصحيح والمعنى الباطل أو الخطأ لهذه الكلمة فإذا قال أحد: إن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى له جهة، قلنا له: ماذا تريد بقولك: إن الله له جهة، فإن قَالَ: أريد العلو، أي: أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عال عَلَى المخلوقات.
وهذه الكلمة وردت في بعض كلام الأئمة من السلف فإنهم يقولون: نعم لله جهة، ويقصدون بها (جهة العلو)، أي: أنه فوق المخلوقات؛ فنقول لمن يقول ذلك إثباتك للعلو حق وصواب، لكن كلمة الجهة تحتمل معنى آخر يلزمك به أهل البدع فلا تستخدم هذه الكلمة وقل: هو فوق المخلوقات كما أخبر سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وإن جَاءَ أحد: وقَالَ: ليس لله جهة قلنا: ماذا تريد بذلك؟ فإن قَالَ: أريد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يحصره شيء وأنه فوق كل شيء، وأعظم من كل شيء، ومحيط بكل شيء ، قلنا: هذا المعنى حق لكن هذه الكلمة (ليس له جهة) يستخدمها نفاة العلو، فيقولون: ليس له جهة أي: أنه ليس فوق المخلوقات، فلا تستخدم هذه الكلمة التي قد تلتبس عَلَى بعض الناس، واستخدم الألفاظ الشرعية التي لا إجمال فيها ولا لبس.

ونقول: هو فوق المخلوقات كما قال تعالى: ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)) [الأنعام:18] ((يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم)) [النحل:50] أو هو في السماء، كما قال تعالى: ((أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)) [الملك:16] أو كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للجارية: {أين الله؟ قالت: في السماء} والأمثلة كثيرة، وموضوع العلو والاستواء سيأتي مفصلاً إن شاء الله تعالى.
يقول المُصنِّف رحمه الله تعالى: [وأما لفظ الجهة فقد يراد به ما هو موجود، وقد يراد به ما هو معدوم، ومن المعلوم أنه لا موجود إلا الخالق والمخلوق] والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الذي أوجد كل موجود فالموجودات خَلْقُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأما العدم فهذا لا وجود له [فإذا أُريد بالجهة أمر موجود غير الله تَعَالَى كَانَ مخلوقاً، والله تَعَالَى لا يحصره شيء، ولا يحيط به شيء من المخلوقات تَعَالَى الله عن ذلك] أي: إذا أردنا بالجهة شيئاً موجوداً غير الله كَانَ هذا المكان أو الحيز مخلوقاً، فإذا قلنا: الله في جهة، ونقصد به الجزء الأعلى من الكون، أي: داخله، فيكون بهذا قد حصرنا الله سبحانه وجعلناه في شيء من مخلوقاته معين.