والموقف الصحيح في الألفاظ المجملة أننا نفصل فيها كما قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: [وليس لنا أن نصف الله تَعَالَى بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً، وإنما نَحْنُ متبعون لا مبتدعون، فالواجب أن ينظر في هذا الباب أعني: باب الصفات فما أثبته الله ورسوله أثبتناه، وما نفاه الله ورسوله نفيناه.والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، وننفي ما نفته نصوصهما من الألفاظ والمعاني].
فنقول في النفي كما قال الله: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))[الشورى:11]، ((وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)) [الإخلاص:4]، ((هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً))[مريم:65] ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)) [البقرة:255]، ((لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ)) [الأنعام:103] ونثبت ما أثبت في كتابه كاليد والوجه والنفس، وفي السنة كالنزول والقَدم التي أولها أهل البدع.

قال المصنف: [وأما الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها] مثل كلمة الجسم، أو الجهة، أو لا تحل فيه الحوادث، أو تنزه تَعَالَى عن الحوادث، أو نفي الحركة، أو نفي الانتقال، أو لا تتغير أحواله، وأمثال تلك العبارات التي يستعملها أهل البدع.
فيقول المصنف: [لا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها: فإن كَانَ معنىً صحيحاً قبل] فنقبل هذا المعنى، ولكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص، وينبغي أن يعبر عنه بما ورد دون الالتجاء إِلَى الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد، قَالَ: [والحاجة مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها].
ومن أراد التفصيل في هذا فليرجع إِلَى منهاج السنة (1/258) فقد ذكر شَيْخ الإِسْلامِ قصةَ الإمام أَحْمَد مع برغوث وذكر استخدام كلمة الجسم، وذكر القاعدة في مثل هذه الألفاظ، وكلام المُصنِّف هذا قريب من كلام شَيْخ الإِسْلامِ.
ومن الحاجة أن يكون الرجل أعجمياً لا يفهم من لغة العرب شيئاً، فعندما تريد أن تعلمه ما يعرف به ربه عَزَّ وَجَلَّ، فلا بد أن تعلمه بلغته لكي يفهم، فهذه هي الحاجة وبلا شك أن المعنى الذي في اللغة الأردية أو اليابانية أو الإنجليزية يستخدم في حق المخلوقين، وقد ينصرف ذهنه إِلَى أننا نصف الله بما يتصف به المخلوق، لكن نبين المعنى مع الإتيان بقرائن تبين المراد.
ونقول له: إن الأصل أن الإِنسَان يستخدم اللغة العربية، وحتى هو لو شرحها لغيره فعليه يشرحها لهم مع القرائن بأن أي لفظ نستخدمه نَحْنُ في حق المخلوق فإنه في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غير ذلك لكن المعنى المقصود هو نفي أن يكون لله تَعَالَى مثيل وهكذا.

وقد يشكل عَلَى بعض النَّاس أن المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ ذكر في مقدمة الكلام ما نصه [وليس لنا أن نصف تَعَالَى الله بما لم يصف به نفسه ولا وصفه به رسوله نفياً ولا إثباتاً وإنما تحن متبعون لا مبتدعون].
فقوله: [ليس لنا أن نصف] أي: -نفياً ولا إثباتاً- فإذا نفى أحد -مثلاً- اللسان لله فإنه قد نفى ما لم ينفه الله عن نفسه، وخالف كلام المُصنِّف في قوله: [ليس لنا] ثُمَّ قوله: [نفياً ولا إثباتاً] فيُقَالُ: ننفي ذلك لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يثبت ذلك لنفسه في القُرْآن ولم يصح بذلك حديث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذه قضية.
وهناك قضية أخرى وهو إذا أتى أحد فقَالَ: أنا أنفي عن الله تَعَالَى الجهة، وهذا نقول له كما سبق فصَّل ماذا تريد بالجهة؟ يقول: أنا أريد بالجهة أن أنفي عن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مشابهة مخلوقاته؛ لأن المخلوقات لا تكون إلا في جهة، فيقال هل تثبت علو الله؟ فإن قَالَ: نعم أنا أثبت علو الله لكن أنفي الجهة، نقول: المعنى صواب، ولكن الخطأ في اللفظة لأنها لم ترد، وإن قَالَ: أنا أقصد بنفي الجهة نفي العلو فنقول له: أخطأت في اللفظ وفي المعنى، فهناك فرق بين الألفاظ المحتملة التي تحتمل معنيين: أحدهما حق والآخر باطل.
والإمام الطّّحاويّ رَحِمَهُ اللَّهُ لا يقصد هنا معناً باطلاً؛ لأنه من أئمة أهل السنة ويتكلم في عقيدة لـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، ولذلك هو يرى أن هذا زيادة في تنزيه الله: أن ينفي عنه ما نفاه هنا من الأركان والأعضاء والأدوات والجوارح.