قد يقع التأويل خلاف الظاهر الذي كَانَ مفهوماً من ظاهر النص فيحتمل هذا المعنى أو ذاك
الأولى: في التفسير نرجع الضمير إِلَى المعاني وليس إِلَى وقوع الحقيقة؛ لأن كلمة "الظاهر": ومعرفة الظاهر ومعرفة ما عدا الظاهر، سواء كَانَ هذا معنى راجحاً أو مرجوحاً، هذه مسألة تعود إِلَى الفهم والفقه والاجتهاد، فالخلاف في هذا لا حرج أن يقع، ولهذا فالتفسير الذي يأتي عن أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد يكون منه ما هو خطأ لأنه فهم محض، فتجد آية فهمها أحد الصحابة عَلَى وجه والآخر فهمها عَلَى وجه آخر، ولا نستطيع أن نجمع بينهما، فنرجح فهم هذا عَلَى فهم ذلك كما في الأحكام، فقد يكون الواحد مخطئاً لكن له أجر، والآخر مصيب فله أجران، فمعاني القُرْآن التي يفسرها العلماء قد تكون موافقة لظاهره أو مخالفة، وقد تكون خطأً، وقد تكون صواباً -هذا بالنسبة لأفهام الناس- لكنه في ذاته -أي: القرآن- لا بد أن له مراداً يريده الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أو لا بد أن هذه الآية لها من يفهمها ولا يمكن أن يكون في القُرْآن آية يخفى معناها عَلَى جميع العلماء ويخطئ جميع العلماء في معناها
يقول المصنف: [والتأويل في كلام كثير من المفسرين كـابن جرير ونحوه يريدون به تفسير الكلام وبيان معناه] يقول ابن جرير في تفسيره: تأويل قوله تَعَالَى كذا، قال ابن عباس كذا ويأتي بسند إِلَى ابن عباس، وكذلك يأتي بسند إِلَى ابن جبير، وسند إِلَى جابر بن زيد، وسند إِلَى كذا، هذا هو التفسير، [سواء وافق ظاهره أو خالفه] فهو مجرد تفسير للكلمة [وهذا اصطلاح معروف، وهذا التأويل كالتفسير يحمد حقه ويرد باطله] أياً كان، وقد يكون من الحق ما يوافق ظاهر اللفظ، وقد يكون الظاهر مخالفاً له، كَانَ يكون هذا الظاهر عاماً مخصصاً أو مطلقاً لكنه قيده في موضع آخر، أو مجملاً وبيَّن في موضع آخر.
ثُمَّ ذكر المُصنِّف -رحمه الله تعالى- قوله تعالى:((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ))[آل عمران:7] وأن فيها قراءتين قراءة من يقف عَلَى قوله "إلا الله" ((ومَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ))ثُمَّ يستأنف.
والقراءة الأخرى -لِمن لا يقف- معناها: والراسخون في العلم حال كونهم قائلين آمنا به كل من عند ربنا، والقراءتان كلتاهما حق ولا اعتراض عليهما.
فإذاً يجوز لك أن تقف عَلَى قوله تعالى: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ))باعتبار، ويجوز لك أن لا تقف باعتبار آخر، ولذا قَالَ: [يراد بالأولى المتشابه في نفسه الذي استأثر الله بعلم تأويله، ويراد بالثانية المتشابه الإضافي الذي يعرف الراسخون تفسيره وهو تأويله ولا يريد من وقف عَلَى قوله "إلا الله" أن يكون التأويل بمعنى التفسير للمعنى] هذا مهم جداً، والمقصود به بيان أن هذه الآية مما أشكل فهمها وتفسيرها عَلَى كثير من الناس.