ولا يلزم من نفي العلم بالتأويل نفي معرفة المعنى هذا أمر مهم جداً، فما في القُرْآن آية إلا وقد أمر الله بتدبرها.
فـالمفوضة تقول: نَحْنُ لا نثبت أي معنى من هذه المعاني، فإذا قلت له: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) [طـه:5] يقول: الله أعلم بمراده فلا أنفي ولا أثبت! يقول: لأن الله تَعَالَى يقول :((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)) [آل عمران:7]، فنحن نتبع سبيل الراسخين في العلم، فنؤمن بأنها آية في القرآن؛ لكن لا نؤمن بأن لها معنى ولا نفسر هذا المعنى، وهذا مذهب خطير جداً.
ونتيجةً لجهل أكثر المتكلمين المتأخرين بهذا المعنى وقعوا في الحيرة، والاضطراب فأخذوا بهذا المبدأ، وَقَالُوا: نَحْنُ نفوض، فكانوا مفوضة، ومنهجهم خارج عن منهج السلف الصالح، وباطل كما أن مذهب المؤولة باطل، وهناك طائفة أخرى: لما رأوا أن هَؤُلاءِ أحجموا، وَقَالُوا: لا نثبت أي معنى من المعاني، قالوا: نَحْنُ نعرف هذه المعاني، ونعرف التأويل، ولهذا: أخذوا يؤولون الآيات ويخرجونها وفق قواعد اللغة العربية حسب زعمهم، والواقع أن كلاً منهما مخطئ من جهة، وهذا الذي يجب أن نعلمه في آية آل عمران.
يقول المصنف: [فهذا معنى التأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف وسواء كَانَ هذا التأويل موافقاً للظاهر أو مخالفاً له] أي: إن كَانَ المقصود بكلمة " التأويل" تأويل المعنى فالأمر واضح أن المعنى قد يوافق الظاهر، وقد يخالفه، فالذين يتكلمون في معاني القُرْآن قد يفسرونه بالمعاني التي توافق الظاهر أو تخالفه هذا شيء آخر.
لكن المقصود: أنهم يفسرون القُرْآن بمعانٍ ولا يفوضون، ويقولون: لا نعلم منه شيئاً، وإن كَانَ المقصود أن هذا التأويل هو وقوع حقيقة الشيء، وقد تكون موافقةً للفظ وقد تكون مخالفة له وهذا الاحتمال قد يرد، وتوضيحاً لهذا نقول: عندما أخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صفات الدجال، قد يفهم الإِنسَان من ظاهر هذه الصفات معنى معيناً في الدجال، فإذا ظهر الدجال قد يكون التأويل خلافاً لِمَا كَانَ مفهوماً من ظاهر النص.