قَالَ: [ولا يصح الإيمان بالرؤية -أي: برؤية المؤمنين لربهم في الجنة- لمن اعتبرها منهم بوهم أو تأولها بفهم] وسيأتي الإيضاح في ذلك.
يقول المخالفون في الرؤية من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والإمامية والإباضية: من قال إن الله -تعالى- يرى في الآخرة فقد كفر، وعلى كلامهم هذا يكون أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ كفاراً؛ لأنهم يعتقدون أن الله يُرى.
فهَؤُلاءِ يرون أن من قَالَ: إنه يُرى -سبحانه- في الدنيا أو في الآخرة فقد كفر! هكذا بإطلاق، وهو قول الإمامية أو الإثنا عشرية، ويسمى بهم أغلب الشيعة ويسمون أيضاً جعفرية من الناحية الفقهية، وهم أغلب الشيعة المعروفين اليوم؛ ولكن الإمامية أو الإثنا عشرية أو الجعفرية غالباً إذا ذكر اسم الشيعة فإنه ينصرف إليهم.

وكما قَالَ المُصنِّفُ إن أبا جعفر رد عَلَى المعتزلة ومن تبعهم من المؤولة الذين يقولون: نؤول رؤية الله، فنوؤل قوله تعالى: ((وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ))[القيامة:22، 23]، ونؤول قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {سترون ربكم كما ترون هذا وأشار إِلَى القمر} وفي حديث آخر: (فأشار إِلَى الشمس) وقَالَ: {كما ترون الشمس في الظهيرة} وكان مما قالوه إنّ كلمة "ترى" أو "رأى" أو "أرى" تفيد الرؤية العلمية، لا الرؤية البصرية.
وقال الأشعرية: إنه يرى من غير جهة ولا مقابلة، فينكرون أن يكون المخلوق -مثلاً- في جهة، والله تَعَالَى عالٍ عليه فلا يتصورون ذلك، ويقولون: هذا شيء لا تدركه عقولنا، وهل ندرك الجنة ونعرف نعيمها أصلاً حتى نتكلم عن رؤية الله في الجنة؟! فالتجأوا إِلَى أن يقولوا: يرى من غير جهة ومن غير مقابلة، فأنكروا الجهة وأنكروا العلو لله تَعَالَى وأثبتوا رؤية هي أشبه ما تكون بالشيء المحال، فقالت لهم المعتزلة: من أثبت الرؤية ونفى الجهة فقد أضحك النَّاس عَلَى عقله! وهذا الذي قاله المُصنِّف لو أنه عرض عَلَى العقل موجود قائم بنفسه ولا يمكن رؤيته، لحكم باستحالة ذلك، والمقصود أنهم أولوها وغيروها وحرفوا معناها بالأوهام وبالتأويلات الباطلة.