ابن أبي الحديد هو صاحب شرح نهج البلاغة الذي جمع كلمات بليغة منسوبة إِلَى عدة من الحكماء أو الخطباء، ونسبها جميعاً إِلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِب رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، وقد كَانَ في درجة من الفصاحة، والبلاغة، يقول هذه الأبيات:
فيك يا أُغلوطةَ الفِكَرِ            حار أمري وانقضى عمري
يقول: هذا العلم: علم الإلهيات وعلم معرفة اليقين والحق عن طريق الكدح الذهني والنظر والمجادلة وأشباه ذلك:
حار أمري وانقض عمري
فهذه العلوم تحار فيها العقول ولا تصل بها إِلَى نهاية
سافرت فيك العقول فما            ربحت إلا أذى السفر
فنهايتها مشقة السفر فقط والتعب والأذى ولم تصل فيها إِلَى نتيجة قط.
فلحا الله الألى زعموا            أنك المعروف بالنظر
لحاهم الله يعني: عابهم ولا مهم وأهلكهم، فهو يدعو عليهم، فلحى الله الألى زعموا: أي: الذين زعموا أنك المعروف بالنظر وبالعقل. يقول :
كذبوا إن الذي ذكروا            خارج عن قوة البشر
نعم، فإن الذي ذكروه خارج عن قوة البشر، وهو الوصول إِلَى الحق من عالم الغيب أمر خارج عن قوة البشر، لا يمكن الوصول إليه عن طريق العلوم النظرية ولا العلوم البشرية أبداً، وإنما يوصل إليه عن طريق علم الغيب وهو الوحي، أما العلم البشري الحسي المحدود فإنه لا يستطيع أن يدرك عالم الغيب، فيقول :
فلحى الله الألى زعموا            أنك المعروف بالنظر
كذبوا إن الذي ذكروا            خارج عن قوة البشر

وهذا مثلما قال الشاعر فيما مر معنا سابقاً:
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت            كُتْبُ التناظر لا المغني ولا العمد