قَالَ المُصنِّفُ -رحمه الله تعالى-:
[وكذلك قال شمس الدين الخسروشاهي، وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي لبعض الفضلاء، وقد دخل عليه يوماً، فقَالَ: ما تعتقده؟ قَالَ: ما يعتقده الْمُسْلِمُونَ، فقَالَ: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به؟ أو كما قال، فقَالَ: نعم، فقَالَ: اشكر الله عَلَى هذه النعمة، لكني والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما اعتقد؟ وبكى حتى أخضل لحيته ولـابن أبي الحديد، الفاضل المشهور بـ العراق.
فيك يا أُغلوطةَ الفِكَرِ            حارَ أَمري وانقضى عمري
سافرتْ فيكَ العقول فما            ربحتْ إلا أذى السفر
فلحا اللهُ الأولى زعموا            أنك المعروف بالنظر
كذَبوا إنَّ الذي ذكروا            خارجٌ عن قوة البشر
وقال الخونجي عند موته: ما عرفت مما حصلته شيئاً سوى أن الممكن يفتقر إِلَى المرجح، ثُمَّ قَالَ: الافتقار وصف سلبي، أموت وما عرفت شيئاً.
وقال آخر: أضطجع عَلَى فراشي وأضع الملحفة عَلَى وجهي، وأقابل بين حجج هَؤُلاءِ وهؤلاء حتى يطلع الفجر، ولم يترجح عندي منها شيء] اهـ.

الشرح:
مر بنا: ابن رشد، والآمدي، والغزالي، والرازي والشهرستاني، والجويني.
بقي الخسرو شاهي وشمس الدين الخسروشاهي قد عرَّفه المُصنِّف -رَحِمَهُ اللَّهُ- فقَالَ: [وكان من أجل تلامذة فخر الدين الرازي] توفي سنة 652 هجرية، وهذا شمس الدين الخسرو شاهي دخل عليه يوماً بعض الفضلاء ووجده مشتغلاً ومنهمكاً بالعلم الذي حذر منه، ونهى عنه شيخه فخر الدين الرازي وقَالَ: لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، فهذا المسكين اشتغل بالذي لا يشفي عليلاً، ولا يروي غليلاً، فزاره بعض الفضلاء من العلماء فَقَالَ الخسروشاهي للرجل: ما تعتقده؟
فقال الرجل: ما يعتقده الْمُسْلِمُونَ، أعتقد في الله عز وجل -وفي الإيمان وفي الإلهيات- ما يعتقده الْمُسْلِمُونَ.
قَالَ: وأنت منشرح الصدر لذلك مستيقن به؟
قَالَ: نعم، فهذه مسلمات لا مجال للشك فيه فَقَالَ له: اشكر الله عَلَى هذه النعمة، ثُمَّ قَالَ: لكني والله لا أدري ما أعتقد؟ والله لا أدري ما أعتقد؟ والله لا أدري ما أعتقد؟ وأخذ يبكي حتى اخضلت لحيته، أي: حتى أغرق لحيته بالدموع وهو يبكي، يقول: لا أدري ما أعتقد، أنت الذي تعتقد ما يعتقده الْمُسْلِمُونَ احمد الله عَلَى هذه العقيدة، واحمد الله عَلَى هذه النعمة.

وبهذه القصة وبالتي قبلها يعلم الإِنسَان أن الإيمان والحق واليقين لا يكون إلا باتباع منهج الكتاب والسنة، فالفطرة التي عليها الْمُسْلِمُونَ موافقة لما في الكتاب والسنة، وزيادة عَلَى ذلك ما يعلمه علماء التفسير، وعلماء الحديث، والفقهاء في الدين، من أمر الله عَزَّ وَجَلَّ، ومن علم صفات الله وأحوال الآخرة، وغير ذلك هو أضعاف ما يعتقده العامة.
أما هَؤُلاءِ القوم فإنهم لا يدرون ماذا يعتقدون، فإذا أراد أن يعتقد مثلاً مسألة القدر، وهو عَلَى مذهب الرازي والخسرو شاهي والجويني مذهب الأشعرية، فيمر عَلَى الكسب فلا يقدر عقله أن يحلله، أو أن يستوعبه، وإذا نظر إِلَى النَّاس الذين يعيشون في الدنيا وجدهم مؤمنين بالقدر، مطمئنين للإيمان بالقدر، فيظل غارقاً في الشبهات والنَّاس من حوله خيرٌ منه.
وقل ذلك في أي باب من أبواب العقيدة فإنهم يبنونها عَلَى حجج واهيات يسهل الرد عليها؛ كما أتى عليها شَيْخ الإِسْلامِ فهدم بنيانها لأنها ليست عَلَى شيء.