ولما كتب في كتاب
الإحياء عن العقيدة، كتب عن التوحيد وعقد له باباً أسماه قواعد العقائد، ضمن كتاب
الإحياء، وهذا الكلام المنقول هنا هو منه، ولهذا نرى التناقض والاضطراب في حياة
الغزالي وفي كلامه، فإذا كنت قد رفضت علم الكلام، وهو أول ما بدأت به، ووصلت إِلَى الاقتناع.
فلماذا ترجع في
الإحياء إِلَى علم الكلام، لأنه بدأ الكلام بالذم لعلم الكلام وبعد، صفحتين بدأ يقول: إن علم الكلام يدفع الشبهات، وينفع في تثبيت العقيدة، وينفع في الرد عَلَى الملحدين، فهذا تناقض كيف يكون هذا الكلام؟ و
أبو حامد لما كَانَ في
بيت المقدس يتعبد، جاءت الحروب الصليبية وسمع بمقدمها وعاد مرة ثانية إِلَى بلاد المشرق، وهنالك قبيل آخر أيام حياته ألف كتاباً اسماه
إلجام العوام عن علم الكلام بدأ من جديد يرد، ويرفض علم الكلام ويقول: إنه علم كله شر وكله فساد، وكله لا خير فيه،
وفي تلك الفترة التي رفض فيها علم الكلام يظهر أنه اقتنع أن التصوف لا خير فيه، ولهذا فإنه أخذ يقرأ في كتب السنة، حتى ذكروا أنه مات وصحيح البُخَارِيّ على صدره، وهذه الأبيات التي قالها عندما لقي أبا بكر ابن العربي تنطبق عَلَى آخر مرحلة من حياته.
تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل وعدت إِلَى تصحيح أول منزل.
والأصل أن الغزالي لما بدأ من صحيح البُخَارِيّ، هنا يكون أول منزل؛ لأن الكتاب والسنة هي: المنزل الأول الذي يجب أن ينطلق منه الإِنسَان، ويبدأ منه الطريق، ويترك ما عداها، ويترك الهوى الآخر، والكلام والباطنية، والفلسفة والتصوف وتوفي -رَحِمَهُ اللَّهُ- سنة خمسمائة وخمس.
وهذه كانت آخر مرحلة في حياته، والغربيين لم يكتبوا عن أحد من علماء الإسلام مثل ما كتبوا عن أبي حامد الغزالي، ألفوا عنه وكتبوا، وإلى الآن تحضر رسائل ماجستير ودكتوراه عن الغزالي، وذلك لأن الغزالي تأثر به رجل غربي مفكر مشهور، وهو ديكارت حيث يعتبر ديكارت من دعائم وأسس النهضة العقلية والفكرية في أوروبا .