أما ما جهلناه من كتاب الله فلا نماري ولا نجادل ولا نخوض فيه بعقولنا الكليلة العاجزة؛ لنبحث في حقائقه ومعانيه وغيبياته التي لن تدركها عقولنا، وقد خاض النَّاس في كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- في أمور وفي مسائل قد لا يحتاجون إليها عَلَى الإطلاق وتركوا ما هو أولى وأجدى {فما عرفتم منه فاعملوا به}.
فأولاً: أن نبدأ بما عرفنا فنعمل به، ونترك ما تركه الله تَعَالَى وأخفاه عنا من أمور ليس فيها مصلحة وإنما يشير إليها إشارة، كبعض القصص القرآنية، ثُمَّ تأتي كتب التفسير فتضخم هذه القصة وتذكر فيها الآثار الإسرائيلية وتفصيلات ما أنزل الله بها من سلطان ولا دليل عليها. فالقرآن أنزل للعبرة والاتعاظ فإذا قرأ الإِنسَان القصة عرفها وأخذ العبرة منها.
لكن يأتي أُولَئِكَ النَّاس الذين يتكلفون ويخوضون فيما لا علم لهم به، فيضيعون الأعمار عَلَى أنفسهم وعلى النَّاس فيما لا فائدة منه، مثل: معرفة فرعون؟!
واسم أخي يوسف الأكبر والأصغر؟
ومقدار الدراهم التي بيع بها يوسف؟
وسد ذي القرنين أين يوجد في الشرق أو الغرب؟
ومتى عاش قبل موسى أم بعده؟
أمور متكلفة والفائدة التي منها لا تتجاوز بأي حال من الأحوال تصحيحاً لمعرفة من المعارف التي قيمتها لا تتقدم عَلَى معرفة الأمور الجلية، التي تنقص كثيراً ممن خاضوا في هذه الأمور؛ مثل أمور التوحيد، والفرائض التي فرضها الله وأمثالها، فهذا أيضاً من الخطأ في منهج دراسة القُرْآن الكريم وفي أخذه وتلقيه، فيجد الإِنسَان من الأقوال العظيمة والخلافات الكثيرة، في مسائل لو أغفلت وأغلقت تماماً ما نقص شيء، ولسنا بحاجة إِلَى بحثها أصلاً.
ولهذا يجب أن نمتثل قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فما عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إِلَى عالمه} ولا حاجة إِلَى إضاعة الأعمار وإلى الجدل في كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دون نتيجة.