بعد ذلك ظهر من يماري ويجادل في الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى بالكشوفات والخيالات والمنامات والأذواق والمواجيد، ويقولون: إن الحق إنما يلتمس فيها، ومن قَالَ: إن الفاصل بين ما يؤول من الصفات وما لا يؤول إنما هو الكشف، فهذا الحديث الآتي أحد الأحاديث التي تنفي ذلك وترد عَلَى هذه المقالات جميعاً يقول: عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده {لقد جلست أنا وأخي مجلساً ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من أصحاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جلوس عند باب من أبوابه} هذا المتكلم هو عبد الله بن عمرو بن العاص -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فكرهنا أن نفرق بينهم فجلسنا حجرة إذ ذكروا آية من القُرْآن -أي: جلسوا في ناحية منهم إذ ذكروا آية من القرآن- فتماروا فيها أي: تجادلوا في هذه الآية هذا يقول معناها كذا وهذا يقول: معناها كذا، حتى ارتفعت أصواتهم.
{فخرج رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغضباً} أي سمع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جدالهم فخرج مغضباً {قد احمر وجهه -يرميهم بالتراب-} فأنكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهم بشدة لاختلافهم في القرآن، وقد ورد في بعض الآثار أن الخلاف كَانَ في القدر، فالصحابة خير النَّاس وأفضلهم وأتقاهم، فلما أن وصل بهم الجدال إِلَى أن ارتفعت الأصوات هذا يقول الحق ما أراه، وهذا يقول: أنت أخطأت في فهم الآية، فخرج عليهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مغضباً قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول: {مهلاً يا قوم بهذا قد أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم عَلَى أنبيائهم، وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القُرْآن لم ينزل يكذب بعضه بعضاً؛ بل يصدق بعضه بعضاً، فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إِلَى عالمه}.