ثُمَّ أخذ المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ يعقب عَلَى هذا فَيَقُولُ: [وكيف تكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة].
وأساس الخلاف والإشكال وأساس ظهور الفرق وخروجها عدم التلقي، والأخذ من الكتاب والسنة فبعضهم أخذ بالعقل مثل المعتزلة، والاشعرية، والماتريدية، وبعضهم قَالَ: نأخذ بالكشف والذوق والوجدان مثل الصوفية ومن نحى نحوهم.
وبعضهم كـ الباطنية، والرافضة قالوا: لا من الكتاب ولا من السنة ولا من العقل ولا من الكشف، ولكن عن طريق الإمام المعصوم، وهذا الإمام المعصوم هو بالنسبة للرافضة الذي في السرداب، ومعه العلم الباطني، ويأخذون علمه عن طريق النواب والحجاب الذين جعلهم نواباً وحجاباً له، ولهذا فمنهج التلقي عندهم أنهم لا يأخذون من كتاب الله ولا من صحيح البُخَارِيّ ولا من صحيح مسلم وهم ينكرون الرؤية وينكرون هذه الصفات، ولكنهم يتلقون من الرقاع، وكيفية ذلك: أنهم ينامون وفي الصباح يذهبون إِلَى شجرة من الشجر ويجدون فيها رقاعاً، تقول: اعملوا أو اتركوا، ويقولون: إن الإمام المعصوم ألقى ذلك، أو أوحى به إِلَى بعض النواب ويكتبون هذه الرقاع ويلقوها، فتتلقى الأتباع منها العلم وينفذونه، ولهذا حصل أن أحد اليهود وكان يكتب لهم رقاعاً يقرءونها، فكتب مرة من المرات: استوصوا بفلان اليهودي خيراً ووضعه في رقعة في شجرة، فلما قرأها الرافضة في اليوم الثاني ملأوا بيت ذلك اليهودي من الذهب والفضة وفرحوا به لأنهم وجدوا رقعة من العلم من الإمام المعصوم المحجوب أنه قال :استوصوا بهذا اليهودي خيراً، هكذا يبلغ سخف العقول.
إن الله عَزَّ وَجَلَّ أعطانا المصدر الكتاب والسنة الصحيحة أفنعدل عنها إِلَى أمثال هذه التوافه؟!
وكذلك هَؤُلاءِ الصوفية وأمثالهم -كما ذكر المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ- يظنون أن الصحابة إنما كانوا يتلقون القُرْآن كما يتلقى الأطفال الصبيان، يحفظون ألفاظاً لا معنى لها، ولذلك يحتاجون إِلَى مصدر آخر يقول أحدهم: بحثت وفكرت في الصفات فوجدت أن النَّاس ما بين مجسم، ومشبه، ومعطل، ومؤول، فيحتار في أمرهم فَيَقُولُ: فلا سبيل إِلَى معرفة ذلك إلا بالكشف، فيتعبد ويذكر الله وينام لعله يرى رؤيا في المنام أو يلقى في قلبه شيء، وأبو حامد الغزالي في كتاب قواعد العقائد، وهو أحد الكتب من كتب إحياء علوم الدين رجح طريق الكشف، وقَالَ: إن الإِنسَان يحتار بين أهل التأويل وبين أهل التجسيم، والطريق الصحيح لمعرفة ما يؤول لا يعلم إلا بالكشف، سُبْحانَ اللَّه! قد ينكشف لواحد إثبات أشياء لم ترد لا في كتاب ولا في سنة، والآخر انكشف له ثلاث صفات أو صفتين، فكيف نعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذاً؟