تقول المعتزلة: إن الإِنسَان يخلق فعل نفسه، والله -عَزَّ وَجَلَّ- لم يخلق في الإِنسَان الشر، ولم يرد منه أن يفعل الشر، وإنما الإِنسَان هو الذي يخلق المعاصي ويخلق فعل نفسه.
ويقولون: إن هذا تنـزيه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا من توحيد الله، مع أن هذا هو الشرك؛ لأن إثبات خالقين ليس توحيداً وإنما هو الشرك، كما كانت الثنوية المجوس يثبتون إلهين،
فقالوا أي المعتزلة: إن الإِنسَان يخلق فعل نفسه ويستدلون بقوله تعالى: ((اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء))[الرعد:16] عَلَى أن القُرْآن مخلوق.
فيقال لهم: لماذا لم تدخلوا أفعال المخلوقات في عموم كل، وقد قال الله تعالى:((وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)) [الصافات:96] فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خلق المخلوقات؛ وخلق أفعالهم، وكلمة كل شيء هنا تشمل أفعال المخلوقات وأنتم تنكرون ذلك.
ومثل هذا فعل عمرو بن عبيد الذي كَانَ يظهر التنسك والزهد والعبادة الشديدة، فجاءه أعرابي فرآه في تلك الحالة
فقال له: إن ناقتي قد سرقت فادع الله أن يردها لي، فرفع عمرو بن عبيد يده
فقَالَ: اللهم إنك لم ترد أن تسرق ناقة هذا الأعرابي، اللهم فارددها عليه، فالأعرابي عَلَى سذاجته لا يفهم شيئاً لكن بفطرته قَالَ: لا حاجة لي في دعائك
قال عمرو: ولِمَ؟
قَالَ: أخشى ما دام أنه لم يرد أن تسرق فسرقت أن يريد أن ترد فلا ترد.
فالعقل السليم الفطري يرد أقوالهم هذه جميعاً، فهم يريدون أن ينزهوا الله بأنه لا يريد الشر ولا يخلقه، فهذه السرقة مثلاً يقولون: لا يريدها الله ولم يقدرها، ولم يخلقها وإنما العبد هو الذي يفعل.

وأما أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فيقولون: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو خالق الإِنسَان، وخالق أفعاله، وأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل للإنسان إرادة مخلوقه خلقها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك يُحاسِب ويجازي عَلَى نتيجتها، وهذا الرجل من شدة تمسكه بمذهبه لم يرد أن يتخلى عنه حتى وهو يدعو للأعرابي، وأراد الله عَزَّ وَجَلَّ أن يفضحه عَلَى يد ذلك الأعرابي الذي لم يتعلم علم الكلام، وليس هو من أهل العلم بالكتاب والسنة، وإنما توسم في عمرو بن عبيد الخير، ورأى فيه علامات الزهد، فطلب منه الدعاء، فبين له الأعرابي بعد أن سماع دعاءه أنه عَلَى هذا الأصل الفاسد عافانا الله وإياكم.