تقول الكرامية: إن القُرْآن حروف وأصوات، ولكن تكلم الله بها بعد أن لم يكن مُتكلِّماً.
إذاً قد يُقَالَ: ما الفرق بين مذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ وبين مذهب الكرامية؟
الفرق أن الكرامية يقولون: إن الكلام كَانَ ممتنعاً عليه؛ أي: أنه لم يتكلم ولم يكن موصوفاً بكلام ولا بخلق ولا قدرة ولا إرادة ولا مشيئة ولا رزق، ثُمَّ تحولت من الامتناع الذاتي إِلَى الإمكان الذاتي فحدثت له قدرة وإرادة وكلام، سُبْحانَ اللَّه! كيف تضل هذه العقول إذا انحرفت عن هدي الله عَزَّ وَجَلَّ فهذا الكلام الذي قالوه ما الدليل عليه: ((نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)) [الأنعام:143] ((قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))[البقرة:111] من الذي قال لكم أن الله عَزَّ وَجَلَّ كَانَ كذا ثُمَّ صار كذا، هل يوجد دليل في كتاب الله أو في سنة رَسُول الله أو في كلام أحد من الصحابة؟ لا يوجد أبداً إنما هذه أهواء وظنون وتخرصات.
إذاً: فالفرق: أن أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ لا يقولون إن الكلام كَانَ مستحيلاً عَلَى الله عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تكلم! وإنما يقولون -والعبارة دقيقة ولابد أن نحفظها ونفهمها- " إنَّ كلامَ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قديمُ النوعِ حادثُ الآحاد أي: أن نوع الكلام قديم أو أزلي النوع، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لم يزل متكلماً متى شاء كيف شاء، ولكنه متجدد الآحاد أنزل التوراة، ثُمَّ أنزل الإنجيل، ثُمَّ أنزل القُرْآن وقولهم: "ولكن نوع الكلام أزلي لا أول له".
أي: لم يكن الله عَزَّ وَجَلَّ في الأزل غير متكلم ثُمَّ ظهر وبدا له الكلام وتحول من الامتناع إِلَى الإمكان، كما تقول الكرامية.
وقد سبق أن قلنا إن قولهم مندثر، فقد انقرضت هذه الفرقة ونسأل الله عَزَّ وَجَلَّ أن تندثر وتنقرض كل الضلالات، وأن يمحوها -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- ببرهان السنة والحق إنه سميع مجيب.