الإمام أحمد يسترخص نفسه في سبيل الحق
لقد ضَرب الإمام أَحْمَد حتى انشقت خاصرته وخرجت أمعاؤه منها، من شدة ضرب السياط كل ذلك من أجل أن يقول: إن القُرْآن مخلوق، وهو يأبى أن يقول بدعتهم، وناظرهم بالحجة والبيان.
فلما أفحموا وعجزوا لجأوا إِلَى الضرب، وهذه حجة من لا يملك الحجة، وقد قال لهم الإمام أَحْمَد: تريدون أن أوافقكم عَلَى قولكم؟
قالوا: نعم.
قَالَ: اخرجوا فانظروا!
فخرجوا وإذا بالنَّاس أفواجاً وبأيديهم الأقلام، وعندهم المحابر والورق، فقالوا لهم: ماذا تنتظرون قالوا: ننتظر ما يقوله الإمام أَحْمَد فنكتبه.
فرجعوا إليه فَقَالَ لهم الإمام أَحْمَد: ماذا رأيتم؟
قالوا: رأينا النَّاس جالسين ينتظرون ما تقول، فيكتبونه.
قَالَ: والله لأن أموت أهون عليَّ من أن أُضل الناس؛ لأنه يعلم أن الكلمة التي سيقولها ستكتب وتؤخذ عَلَى أنها دين وتنتشر في الآفاق، والنَّاس لا يدرون أن الإمام أَحْمَد مُكَرَهَ؟! وأنه لا يرضى بذلك؟! وكيف يتدارك الأمر فيما بعد؟! هذا شيء غير مضمون.
ولذلك نفهم من هذا دقة فهم الإمام أَحْمَد، ففي حالة الإكراه يجوز للإنسان أن يقول كلمة الكفر، لكن إذا كَانَ الأمر يقتضي من الإِنسَان أن لا يقول الكفر وأن يقف موقف الحق، فإنه مهما أكره ومهما أوذي فإنه يجب ويتعين عليه أن لا يقولها.
فالإمام أَحْمَد رأى أن الأمة كلها تريد أن تسمع ما يقول، فلابد حينئذٍ أن يثبت أمام هذه الضلالات ولو أدى الأمر إِلَى قتله، فيقتل ويُقَالَ: قتل؛ لأنه لم يوافقهم عَلَى كلامهم، فيبقى الحق حقاً ولو قتل من قتل في سبيل بقاء هذا الحق هكذا كَانَ رأي الإمام أَحْمَد رَحِمَهُ اللَّهُ -وقد رفعه الله -عَزَّ وَجَلَّ- بهذا الموقف وهذا الصبر.11>