والعرب تستعمل في كلامها ما يدل عَلَى أنها إذا أرادت أن تخاطب المفرد تأتي بالكلام عَلَى صورة جمع وهي تريد الفرد، حتى يقول الإمام
ابن جرير الطبري رَحِمَهُ اللَّهُ: إن الإِنسَان إذا قَالَ: أكلت تمراً ولبناً، فإن ذلك صحيح في لغة العرب، لكن لو أفرده لا يصح أن يقول: أكلتُ لبناً، وإنما يقول: شربتُ لبناً، فهذا دليل عَلَى أن الأمر في حالة الاجتماع غيره في حالة الانفراد، وعليه فيكون المبعوثون من الإنس والجن، بينما يكون في الحقيقة والواقع لم يأت الرسل إلا من الإنس وحدهم، نقول: قد يترجح هذا القول، إلا أن هذه الآية
((يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ))[الرحمن:22] وإن كَانَ قد قال من قال من العلماء بأنه يخرج من أحدهما، إلا أن هذا القول غير صحيح من وجوه:
أولاً: أنه خلاف ظاهر اللفظ؛ لأن اللفظ يخرج منهما، فلا يعدل عن الظاهر إلا بدليل، وليس هناك من دليل إلا أن النَّاس لم يكونوا يستخرجون الزينة واللؤلؤ والمرجان من الأنهار والبحار العذبة، وإنما كانوا يستخرجونها من المالح.
ثانياً: إن التنوين الموجود في قوله تعالى:
((وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)) [فاطر:12] في ((كلٍّ)) يسمى تنوين العوض، أي: عوض عن كلمة، أي: ومن كل واحد من البحرين تأكلون لحماً طرياً، وتستخرجون حلية تلبسونها، إذا: ليس هناك احتمال!
فلماذا نقول: يخرج منهما، أي: من أحدهما؟ والله يقول: ((ومن كلٍ)) أي: من كل واحد من البحرين يخرج اللؤلؤ والمرجان، ولذلك أصبح النَّاس في العصر الحديث يستخرجون اللآلئ والحلي والزينة من المياةِ العذبة ومن الأنهار، كما أنها تستخرج من البحار، فمن قال بذلك من العلماء السابقين فإنما قال عَلَى اعتبار أنه في عصره لم يكن معروف لديهم هذا الاستخراج، فَقَالُوا: إذاً يستخرج من أحدهما فقط، لكن نعمة الله عَزَّ وَجَلَّ وامتنانه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا تقتصر عَلَى عصر من العصور.
فالله تَبَارَكَ وَتَعَالَى يمتن منة عامة قد يتحقق لبعض النَّاس منها شيء في وقت، ولا يتحقق لغيرهم شيء إلا في وقت آخر، وقد تتحقق بعض النعم لبعض النَّاس في بلد ولا تتحقق لهم في بلد آخر وهكذا..
وهذا هو الذي يترجح في هذه الآية، والله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أعلم. 11>