والمرتبة الرابعة: الغرام، ومعناه: الحب الملازم للقلب كملازمة الغريم للغريم، يُقالُ: فلانٌ غَرِيمُ فلان، يعني خصمه الملازم له، الذي لا يدعه ولا يفكه، ولذلك قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة الفرقان في الحديث عن جهنم: ((وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً))[الفرقان:65] أي: ملازماً دائماً، نسأل الله العفو والعافية، ولهذا لا يوصف الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالغرام وكذلك لا توصف محبة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالغرام.
وهذه الأوصاف يستخدمها الصوفية، ولهذا يأتون إِلَى قصيدة قالها أحد الشعراء في حبيبته، فيأخذونها ويجعلونها في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما هي تماماً مثل قول الشبلي:
إنَّ بيتاً أنتَ ساكنُهُ            غيرُ محتاجٍ إِلَى السُرج
وجهكَ المأمونُ حُجتنَّا            يومَ يأتي النَّاس بالحججِ
هذه أصلها قصيدة قالها أحد الشعراء في محبوبته، يقول: إن البيت الذي هي فيه لا يحتاج إِلَى سراج، وأن وجهها حجته يوم يأتي النَّاس بالحجج، يعني: إذا سأله الله لماذا ضيعت الفرائض وضيعت الطاعات، ما هي حجتك في دنياك؟ فَيَقُولُ: هذه هي الحجة، فوجدوا أن الأنسب في المعنى أن يكون وجه الله هو الحجة يوم يأتي النَّاس بالحجج، وفعلاً من حيث المناسبة إن الشاعر بالغ حيث جعل وجه محبوبته هو الوجه المأمون وهو الحجة، لكنهم جاءوا بها كما هي وجعلوها في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ونتج عن معنى البيت الأول:
إنَّ بيتاً أنتَ ساكنُهُ            غيرُ محتاجٍ إِلَى السُرج
اعتقادُ أنه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يحل في البيوت، كما يحل غيره تَعَالَى الله عن ذلك علواً كبيراً، وهم إذ يقولون هذا البيت وأمثاله، إن جاءهم أحد من أهل السنة وسألهم: لماذا تطلقون هذا عَلَى الله؟
قالوا: نَحْنُ لا نعتقد هذا، ولا نقصد الحلول، وإنما استشهدنا ببيت من كلام العرب.
بينما التلاميذ والمريدون حينما يقولونه تقع في قلوبهم هذه المعاني وتثبت وهو أنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحل حيثما كانوا موجودين وأمثلة ذلك كثيرة.
فكانوا يأتون إِلَى أرق الأشعار مثل أشعار مهيار الديلمي وأشعار عمر بن أبي ربيعة، ويجعلون أبياتهم الشعرية التي تغزلوا بها في من أحبوها من النساء العشيقات في حق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولذلك ينبغي لنا أن نعرف ما هي الألفاظ التي يجوز أن تستخدم في حق الله عَزَّ وَجَلَّ، وما هي الألفاظ التي لا يجوز أن تستخدم في حقه تعالى