ومن الأمثلة العجيبة أنه لما جَاءَ فلاسفة اليونان وقد بلغهم أن بيتاً في بلاد العرب -وهو الكعبة- يؤمه النَّاس من جميع الأقطاب؛ لأن هذا البيت من أعظم الآثار الواضحة عَلَى النبوة -كما هو معلوم- من عهد آدم عَلَيْهِ السَّلام، ثُمَّ نوح عَلَيْهِ السَّلام، ثُمَّ إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام الذي جدد بناءه، ثُمَّ بقي بناؤه من إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام إِلَى اليوم.
وهذا أيضاً مما يدل عَلَى النبوة، فتنجذب إليه قلوب البشر من أنحاء أفريقيا، ومن آسيا، ومن كل أقطار العالم، فأخذ الفلاسفة يفكرون عندما حاروا في أمر هذا البيت، فظلوا يفكرون لانجذاب القلوب نحو هذا البيت يتفق مع ما يقولون به من أنه لا نبوة، ولا دين، ولا شيء من هذا قالوا: إذاً حجر المغناطيس موضوع تحت الكعبة؛ فلذلك ينجذب إليه الناس!!
((وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)) [الحجر:14-15]
فيقال لهم: ومن وضع هذا الحجر؟!
فإن كَانَ من عند الله فلماذا لم يضعه إلا في هذا المكان؟!
وإن كَانَ الذي وضعه بشر فلماذا وضعه في بلاد العرب؟!
ومن هذا البشر الذي وضعه؟!
ولماذا لم يضعه في الأرض الخصبة، والأراضي المتحضرة؟!
إن ما يقولونه لا يمكن أن يقبله العقل.

فالقصد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ترك من الأدلة الواضحة الجلية عَلَى إثبات نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والأنبياء جميعاً ما يقطع لكل ذي لب بأن النَّاس منذ عهد آدم ومنذ أن وقع الشرك، ثُمَّ صار النَّاس فريقين: مؤمنين وكافرين.
وإن أصل إيمان المؤمنين هو: الإيمان بالنبوات؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يبعث إليهم الرسل تتراً، أي: متتابعين، فيأتيهم النبي ويبلغهم رسالات ربهم، ويذكرهم بالله ويدعوهم إِلَى ما فيه صلاحهم.

فلهذا يقول المؤلف رحمه الله تعالى: نَحْنُ اليوم نعلم بالتواتر من أحوال الأَنْبِيَاء وأوليائهم وكذلك من حال أعدائهم ما يدل قطعاً وصدقاً عَلَى نبوتهم، غير الأدلة التي يحصرنا فيها أُولَئِكَ الناس، فَيَقُولُ: ومن ذلك أنهم أخبروا الأمم بما سيكون من انتصارهم، وبقاء العاقبة لهم وخذلان أعدائهم، فمنذ أن يُبعث النبي وهو موقن بالانتصار، كما هو حال نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد كَانَ ورقة بن نوفل موقن بأنه نبي، ويقول: {ليتني أكون فيها جذعاً، إذ يخرجك قومك} علم أن قومه سيخرجونه؛ لكنه هو الذي سينتصر في النهاية، وقد قالها هرقل: {الأَنْبِيَاء يُغلبون ابتلاءً من الله، ولكن تكون العاقبة لهم} وهكذا أخبرنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن العاقبة كانت للأنبياء الذين من قبله، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أهلك الأمم التي كذبتهم وكفرت بهم جميعاً،كما في أحداث فرعون وقومه، ونوح وقومه وأمثالهم.