لو أن عاقلاً فكر في كلامهم هذا لوجد أنه بالإمكان أن نرد عليهم ببساطه جداً، وذلك أن ما ورثه النظام والعلاف-ثُمَّ من تبعهم من المتكلمين من أشعرية وغيرهم- من طريق الفلاسفة، كيف ثبت لديهم؟ وكيف وصل إليهم؟
هذا هو السؤال الذي يوجه إليهم، فنسألهم ونقول: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توفي في السنة العاشرة أي: أن بينه وبين عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء حوالي مائة سنة فقط، ومائة وخمسين أو مائة وستين سنة بينه وبين العلاف والنظام، لكن كم بين العلاف والنظام وبين أرسطو وأفلاطون؟! قرون طويلة، مئات من السنين.
وما كتبه أرسطو وأفلاطون كتبوه بلغتهم، وهذه اللغة ترجمت، ثُمَّ ترجم من الترجمة أحياناً ثلاث ترجمات أو أربع حتى وصل إِلَى اللغة العربية التي كَانَ العلاف والنظام يقرؤون بها، فلم تصلهم بالسند، ولم تصلهم بنفس اللغة التي كتبوها، ومع ذلك يقولون: هذه عقليات، وهذه قواطع، وهذه يقينيات!!

أما النصوص والأحاديث النبوية التي جاءت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيعتبرونها من قبيل أخبار الآحاد فلا تثبت!!
فلو أن العاقل تدبر هذا لعلم أنهم مجرد هدامين هذا أمر.
والأمر الآخر أن القُرْآن -ولله الحمد- قد ثبت بالتواتر الذي لم يقع لأي كتاب في الأرض عَلَى الإطلاق، فالآلاف ترويه عن الآلاف، فلو أن هَؤُلاءِ القوم تهمهم مسألة التواتر والآحاد لآمنوا بما جَاءَ في القُرْآن كله، ثُمَّ نناقشهم في السنة؛ لكنهم يقولون: القُرْآن يصرف عن معناه إِلَى معاني مجازية، إِلَى التأويل.
والسنة غير متواترة، والمتواتر منها في نظرهم إذا كَانَ موجوداً يعامل معاملة القُرْآن يصرف بالمجاز وبالتأويل، إذا عَلَى قولهم هذا لم يبقوا كتاباًً ولا سنة، المتواتر أولوه والآحاد ردوه، وعليه فليس هناك وسيلة للعلم الشرعي؛ بل إن وجود القُرْآن والسنة عَلَى هذا الحال حسب كلامهم يصبح عائقاً بين النَّاس وبين الحق والعياذ بالله؛ لأن النَّاس كَانَ في إمكانهم أن يأتوا إِلَى ما كتبه أرسطو وأفلاطون والعلاف والنظام، ويأخذوا الحق منه مباشرة.
فجاء القُرْآن وجاءت السنة فأشتغل النَّاس بتأويل هذا ورد هذا فكان مشغلة، وكان حاجزاً بين النَّاس وبين الحق عَلَى كلام هذين الخبيثين وأمثالهما.
فمن هنا تعلم القضية التي أشار إليها المؤلف أن العلم اليقيني والعلم الضروري يحصل بطرق أخرى كثيرة.