إن اليهود قوم بهت حسدوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعادوه فلقد كانوا يتناجون ويقول بعضهم لبعض: أوليس هذا هو نبي العرب؟
ويقول الآخر: بلى أليس النبي الذي يأتي بين يدي الساعة؟
والآخر يقول: أوليس عندنا أنه يبعث من بني إسماعيل؟
فإذا واجهوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالوا: له لست بنبي، بل تآمروا عَلَى أن يقتلوه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأن يلقوا عليه الصخرة، وأعطوه الشاة المسمومة، وما تركوا وسيلة من وسائل الأذى إلا فعلوها مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بينما في أنفسهم وفي مجالسهم يعلنون بصدقه.
وفي قصة عبد الله بن سلام -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ما يدل عَلَى حقيقة اليهود فإنه لما بلغه خبر هجرة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ في نخلة يأخذ من تمرها، فسألت خالته -وكان عندها علم- وما شأنه مع موسى بن عمران؟ فَقَالَ عبد الله بن سلام وهو في النخلة: يا خالة‍! والله إنه لأخو موسى بن عمران دينهما واحد وربهما واحد لا خلاف بينه وبين موسى، فلما ذهب إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأيقن بالإسلام قَالَ: يا رَسُول الله! اختبر اليهود واسألهم عني فإنهم قوم بهت، فلما سألهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقولون في عبد الله بن سلام؟
قالوا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا.
قَالَ: أرأيتم إن أسلم؟
قالوا: معاذ الله!
فخرج عبد الله بن سلام، وقَالَ: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رَسُول الله.
فَقَالُوا: هذا شرنا وابن شرنا وفعل وفعل، ولاموه وسبوه.
فقَالَ: ألم أقل لك يا رَسُول الله! إنهم قوم بهت!
.
فالشاهد أنه لم يكن أحد ممن بلغته دعوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العرب أو من اليهود! ومِنْ أمم الأرض ليشكك في صدق النبي وفي رسالته، بل كانوا عَلَى يقين أنه صادق وأن ما يأتي به إنما هو حق من عند الله.