والمتكلمون يقولون: إن النبوة علم ضروري، فالعلم بنبوة مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العلم الضروري، والخطأ الذي يقعون فيه أنهم يحصرون العلم الضروري بمصادر محدودة، وينسون أن له مصادر ومجالات أعظم مما يحدونه به.
ومن ذلك مثلاً: ما يقال في علم الكلام أو في كتب العقائد: أن من أهم السبل لحصول العلم الضروري القطعي طريق التواتر، فإذا أصبحت المسألة متواترة، لم تعد تحتاج إِلَى عرضها عَلَى العقل، ولا إِلَى النظر والتفكير، أو أنها صحيحة موجودة أم لا؟
وأصبح يُتكلم عنها كأنها حقيقة ترى بأم العين، هذا هو العلم القطعي الذي كَانَ سببه التواتر،والتواتر: هو أن جماعة كثيرين من النَّاس يستحيل في العادة أن يتواطئوا ويتفقوا عَلَى الكذب، فينقلون هذا الشيء ويتحدثون عنه.
والناظر إِلَى دلائل نبوة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإلى آياته يجد أن كل آية منها حصلت عن طريق التواتر إلا القليل، مثل القُرْآن المنقول إلينا عن طريق آلاف الأسانيد والأمة كلها مجمعة عليه.