يقول المُصنِّف عن وهب بن منبه وهو من أهل الكتاب الذين أسلموا قَالَ: [نظرت في القدر، فتحيرت، ثُمَّ نظرت فيه فتحيرت، فوجدت أعلم النَّاس بالقدر أكفهم عنه، وأجهل النَّاس بالقدر أنطقهم به].
وذلك لأن الله لما خلق النَّاس وجعلهم فريقين هذا إِلَى الجنة وهذا إِلَى النار، ووفق هذا إِلَى الهدى وحجبه عن هذا، وهذه الأمور من الأمور العميقة الدقيقة، ولا يعني قول وهب أن كل أحد يتوقف فيها أولا يدرك حكمتها، فإذا كَانَ وهب بن منبه لم يدرك شيئاً من ذلك، فإن غيره قد يدرك ما يفتح الله به عَلَى أهل العلم، وإنما يأتي المُصنِّف بأمثال هذا الكلام ليبين أن الأصل هو عدم الخوض في باب القدر، وأن علينا أن نؤمن بالقدر بأن الله قدر مقادير كل شيء، ثُمَّ نؤمن بأنه تَعَالَى لا يظلم أحداً، ثُمَّ نؤمن بأنه ليس لأحد يعصي الله تَعَالَى أن يحتج بالقدر نؤمن بذلك كله، ونرد علم غير ذلك إِلَى خالقه تعالى، كما قال تعالى: ((وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)) [الإسراء:85] وعقولنا لا تستطيع أن تفسر كل شيء إِلَى أبعاده أعماقه، ولكن إذا وجدنا من العلماء الموثوق بهم أو من السلف الصالح كلاماً في بيان بعض الإشكالات التي تعترضنا، حمدنا الله تَعَالَى وعرفناها وتعلمناها، وإن لم نجد نقف حيث وقفوا، ونَكِلُ ما وراء ذلك إِلَى الله - تَبَارَكَ وَتَعَالَى.